الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            وأما الفصل الثالث ، وهو أحكام السحر ، فيشتمل على قسمين : أحدهما : حكم الساحر .

                                                                                                                                            والثاني : حكم تعلم السحر . فأما القسم الأول في حكم الساحر فقد اختلف فيه الفقهاء : فذهب أبو حنيفة ومالك : إلى أنه كافر يجب قتله ، ولم يقطعا بكفره . ومذهب الشافعي : أنه لا يكفر بالسحر ، ولا يجب به قتله ، ويسأل عنه ، فإن اعترف معه بما يوجب كفره وإباحة دمه كان كافرا بمعتقده لا بسحره ، وكذلك لو اعتقد إباحة السحر ، صار كافرا باعتقاد إباحته لا بفعله ، فيقتل حينئذ بما انضم إلى السحر لا بالسحر ، بعد أن تعرض عليه التوبة فلا يتوب .

                                                                                                                                            واحتج من أوجب به القتل برواية الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : حد الساحر ضربة بالسيف يعني به القتل ، وبرواية عمرو بن دينار ، عن بجالة ، قال : كتب عمر بن الخطاب : أن اقتلوا كل ساحر . فقتلنا ثلاث سواحر . ولم يكن من الصحابة خلاف ، فثبت أنه إجماع ، وبما روي أن جارية لحفصة سحرت حفصة ، فبعثت بها إلى عبد الرحمن بن زيد فقتلها . ولأن الساحر يضاهي بسحره أفعال الخالق ، ومثل هذا كفر يوجب القتل .

                                                                                                                                            ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها فكان على عمومه في كل من قالها من ساحر وغير ساحر . ولأن لبيد بن أعصم اليهودي حليف بني زريق قد سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يقتله وهو تحت قدرته ، وقد كان على عهده كثير من السحرة ، فما قتل واحدا منهم ، ولو وجب قتلهم لما أضاع حدود الله تعالى فيهم . وروي أن عائشة رضي الله عنها مرضت فسأل بعض بني أخيها طبيبا من الزط عن مرضها ، فقال : هذه امرأة سحرتها أمتها . فسألت [ ص: 97 ] عائشة أمتها - وكانت مدبرة لها - فاعترفت بالسحر ، وقالت : سألتك العتق فلم تعتقيني . فباعتها عائشة ، واشترت بثمنها أمة أعتقتها . ولو كان قتلها مستحقا ما استجازت بيعها واستهلاك ثمنها على مشتريها ، وكانت الصحابة تنكر عليها بيعها : ولأن السحر تخييل كالشعبذة وهي لا توجب الكفر والقتل ، فكذلك السحر .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن الخبر : فراويه الحسن وهو مرسل . وضربة بالسيف : قد لا يكون قتلا فلم يكن صريحا فيه . وأما حديث عمر فراويه بجالة لم يلق عمر ، فكان أيضا مرسلا ، ولو صح لكان مذهبا له . وأما حفصة فقد أنكر عثمان بن عفان رضي الله عنه عليها قتلها ، ولو كان مستحقا لم ينكره . وأما قولهم : إنه مضاه لأفعال الخالق فغلط عليه وفيه : لأن غاية سحره أن يؤذي ، وليس كل مؤذ ومضر مضاهيا لأفعال خالقه ، كالضارب والقاتل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية