الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا تقرر : أن نقض أمانه لا يكون نقضا لأمان ما خلفه من ذريته وماله ، فسواء حاربنا بعد لحوقه بدار الحرب أو كف عنا ، يجب علينا حفظ ذريته وماله ، وتقرر الذرية إلى أن يبلغوا ، سواء كان المعاهد حيا أو ميتا .

                                                                                                                                            فإذا بلغوا : خيرهم الإمام بين المقام في دار الإسلام وبين العود إلى دار الحرب ، فإن اختاروا العود إلى دار الحرب لزمه أن يبلغهم مأمنهم ، ثم يكونوا بعد بلوغهم حربا . وإن اختاروا المقام في دار الإسلام أقرهم فيها على إحدى حالتين :

                                                                                                                                            إما بجزية يبذلونها ، أو بعهد يستأنفونه .

                                                                                                                                            لأن أمانهم بالعهد مقدر بعد البلوغ ، وغير مقدر قبل البلوغ ، فيجوز أمانهم قبل البلوغ بسنين كثيرة ، ولا يجوز أن يبلغ أمانهم بعد البلوغ سنة : لأنهم قبل البلوغ من غير أهل الجزية ، وهم بعد البلوغ من أهلها .

                                                                                                                                            وأما ماله : فمقر على ملكه ما بقي حيا على حريته ، وله إن تغيرت حاله حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يموت .

                                                                                                                                            والثانية : أن يسترق .

                                                                                                                                            فإن مات أو قتل : ففي ماله قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يغنم فيئا لبيت المال : لاختصاصه بالأمان على ماله دون ورثته .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يكون موروثا عنه لورثته من أهل الحرب دون أهل الذمة : لأن أهل الذمة وأهل الحرب لا يتوارثون : لارتفاع الموالاة بينهم ، وإنما كان ماله باقيا على ورثته : لأنهم يقومون فيه مقامه ، فانتقل إليهم بحقوقه ، والأمان من حقوق المال ، فصار موروثا كالمال ، فإن مات الوارث انتقل إلى وارثه كذلك أبدا . [ ص: 175 ] وإن استرق مالك المال فالاسترقاق يزيل الملك كالموت ، ففي المال قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يغنم فيئا لبيت المال .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يكون موقوفا لا ينتقل إلى وارثه : لأنه حي ، ولا إلى مسترقه : لأنه مال له أمان ، وروعيت حاله بعد الاسترقاق .

                                                                                                                                            فإن عتق دفع المال إليه ببقديم ملكه .

                                                                                                                                            وإن مات عبدا ففي ماله قولان ، حكاهما ابن أبي هريرة :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون مغنوما لبيت المال فيئا ، ولا يكون موروثا : لأن العبد لا يورث .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يكون لورثته : لأنه ملكه في حريته فانتقل إلى ورثته بحكم الحرية ، حتى جرى على بقاء ملكه حكم الحرية . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية