الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال الجالد : قد ضربته وأنا أرى الإمام مخطئا ، وعلمت أن ذلك رأي بعض الفقهاء . ضمن إلا ما غاب عنه بسبب ضربه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملته أن الإمام إذا أمر الجلاد بقتل أو جلد مختلف فيه ، كقتل المسلم بالكافر ، والحر بالعبد ، وحد الزنا بشهادة الراويين وحد القذف في التعريض ، لم يخل حالهما فيه من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعتقد الإمام والجلاد وجوبه ، فلا ضمان على واحد منهما قودا ولا دية ، ولا تكون مخالفة غيرها مانعا من نفوذ الحكم بالاجتهاد .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يعتقداه غير واجب ، فالضمان فيه واجب ولا تكون مخالفة غيرها مسقطة للضمان ، وهي مسألة الكتاب : لأنه ليس لأحد أن يقدم على قتل يعتقد حظره ، لأن غيره أباحه ، وإذا وجب الضمان فإن كان الجلاد غير مكره ، فالضمان على الجلاد دون الإمام . وإن كان مكرها ، فالضمان عليهما على التفصيل الذي قدمناه . وإذا وجب الضمان لم يخل المختلف فيه من أن يكون فيه نص أو لا نص فيه ، فإن لم يكن [ ص: 422 ] فيه نص كحد الزنا بشهادة الراويين وحد القذف بالتعريض ، فالضمان متوجه إلى الدية دون القود . وإن كان فيه نص كقتل المسلم بالكافر ، فقد اختلف أصحابنا في وجوب القود فيه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن القود فيه واجب : لأجل النص .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا قود فيه : لشبهة الاختلاف .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يعتقد الإمام وجوبه ، ويعتقد الجلاد حظره ، فإن أكره الجلاد على استيفائه ، فلا ضمان على الإمام لاجتهاده ، ولا ضمان على الجلاد لإكراهه ، وإن لم يكره الجلاد فلا ضمان على الإمام ، وفي ضمانه على الجلاد وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا ضمان عليه : لأنه منفذ لحكم نفذ باجتهاد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : عليه الضمان لإقدامه مختارا على استهلاك ما يعتقد وجوب ضمانه .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يعتقد الإمام حظره ، ويعتقد الجلاد وجوبه ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يرده الإمام إلى اجتهاد الجلاد ، فلا ضمان على واحد منهما ، أما الإمام فلعدم فعله ، وأما الجلاد فلنفوذ اجتهاده .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يأمر الإمام به ، ولا يرده إلى اجتهاده ، فلا ضمان على الجلاد ، سواء كان مكرها أو غير مكره : لأنه استوفاه بإذن مطاع ما يراه مسوغا في الاجتهاد . فأما الإمام فإن لم يكره الجلاد ، فلا ضمان عليه ، وإن أكرهه ضمن : لأنه اتجاه إلى ما لا يسوغ في اجتهاده . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية