الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الرابع : الحق المضمون ، وشرطه ثلاث صفات : كونه ثابتا ، لازما ، معلوما .

                                                                                                                                                                        الصفة الأولى : الثبوت ، وفيها مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : إذا ضمن ما لم يجب ، وسيجب بقرض أو بيع ، وشبههما ، فطريقان . أحدهما : القطع بالبطلان ؛ لأنها وثيقة ، فلا تسبق وجوب الحق كالشهادة . وأشهرهما على قولين . الجديد : البطلان ، والقديم : الصحة ؛ لأن الحاجة قد تدعو إليه . ونقل الإمام ، فروعا على القديم . أحدها : إذا قال ضمنت لك ثمن ما تبيع فلانا ، فباع شيئا بعد شيء ، كان ضامنا للجميع ؛ لأن ( ما ) من أدوات الشرط ، فتقتضي التعميم ، بخلاف ما إذا قال : إذا بعت فلانا ، فأنا ضامن ، لا يكون ضامنا إلا ثمن ما باعه أولا ؛ لأن ( إذا ) ليست من أدوات الشرط . والثاني : إن شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدين ، فهنا أولى . وإلا ، فوجهان . وكذا معرفة المضمون [ ص: 245 ] عنه . والثالث : لا يطالب الضامن ما لم يجب الدين على الأصيل ، وليس له الرجوع بعد لزومه . وأما قبله ، فعن ابن سريج ، أن له الرجوع . وقال غيره : لا ؛ لأن وضعه على اللزوم . وأما إذا قلنا بالجديد ، فقال : أقرض فلانا كذا وعلي ضمانه ، فأقرضه ، فالصحيح ، أنه لا يجوز ، وجوزه ابن سريج .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : ضمان نفقة المدة الماضية للزوجة ، صحيح سواء كانت نفقة الموسرين أو المعسرين . وكذا ضمان الأدم ، ونفقة الخادم ، وسائر المؤن . ولو ضمن نفقة اليوم ، فكمثل ؛ لأنها تجب بطلوع الفجر . وفي ضمان نفقة الغد والشهر المستقبل ، قولان بناء على أن النفقة تجب بالعقد أم بالتمكين ؟ إن قلنا بالأول وهو القديم ، صح ، وإن قلنا بالثاني ، وهو الجديد الأظهر ، فلا ، هكذا نقله عامة الأصحاب . وأشار الإمام إلى أنه على قولين مع قولنا : ضمان ما لم يجب باطل ؛ لأن سبب وجوب النفقة ناجز وهو النكاح . فإن جوزنا ضمان نفقة المستقبل ، فله شرطان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يقدر مدة . فإن أطلق ، لم يصح فيما بعد الغد ، وفيه وجهان كما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم ، هل يصح في الشهر الأول ؟

                                                                                                                                                                        الشرط الثاني : أن يكون المضمون نفقة المعسر ، وإن كان المضمون عنه موسرا لأنه ربما أعسر . وفي " التتمة " وجه ، أنه يجوز ضمان نفقة الموسر والمتوسط ؛ لأن الظاهر استمرار حاله .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يجوز ضمان نفقة القريب لمدة مستقبلة . وفي نفقة يومه وجهان ؛ لأن سبيلها سبيل البر والصلة . ولهذا ، تسقط بمضي الزمان وبضيافة الغير .

                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : باع شيئا فخرج مستحقا ، لزمه رد الثمن ، ولا حاجة فيه إلى [ ص: 246 ] شرط والتزام . قال القفال : ومن الحماقة اشتراط ذلك في القبالات . وإن ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج المبيع مستحقا ، فهذا ضمان العهدة ، ويسمى ضمان الدرك . أما ضمان العهدة ، فقال في " التتمة " إنما سمي به لالتزامه ما في عهدة البائع رده ، والدرك لالتزامه الغرم عند إدراك المستحق عين ماله . وفي صحة هذا الضمان ، طريقان . أحدهما : يصح قطعا . وأصحهما : على قولين . أظهرهما : الصحة للحاجة إليه . والثاني : البطلان . فإن صححنا ، فذلك إذا ضمن بعد قبض الثمن . فأما قبله ، فوجهان . أصحهما . المنع لأنه إنما يضمن ما دخل في ضمان البائع ولا يوجد ذلك قبل القبض . والثاني : الصحة لأنه قد تدعو إليه حاجة بأن لا يسلم الثمن إلا بعده .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        كما يصح ضمان العهدة للمشتري ، يصح ضمان نقص الصنجة للبائع بأن جاء المشتري بصنجة ووزن بها الثمن ، فاتهمه البائع فيها ، فضمن ضامن نقصها إن نقصت . وكذا ضمان رداءة الثمن إذا شك البائع ، هل المقبوض من النوع الذي يستحقه ؟ فإذا خرج ناقصا ، أو رديئا ، طالب البائع الضامن بالنقص وبالنوع المستحق إذا رد المقبوض على المشتري . ولو اختلف البائع والمشتري في نقص الصنجة ، صدق البائع بيمينه . فإذا حلف ، طالب المشتري بالنقص ولا يطالب الضامن على الأصح ؛ لأن الأصل براءته . ولو اختلف البائع والضامن في نقصها ، فالمصدق الضامن على الأصح ؛ لأن الأصل براءته بخلاف المشتري ، فإن ذمته كانت مشغولة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو ضمن عهدة الثمن ، إن خرج المبيع معيبا ورده ، أو بان فساد البيع بغير [ ص: 247 ] الاستحقاق كفوات شرط معتبر في البيع ، أو اقتران شرط مفسد ، فوجهان . أصحهما : الصحة . وهو الذي ذكره العراقيون للحاجة . والثاني : المنع لندور الحاجة ، ولأنه في المعيب ضمان ما لم يجب . فإن قلنا يصح إذا ضمن صريحا ، فحكى الإمام والغزالي وجهين في اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية