الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          التوسـعية والوحدويـة

          تميز الاستعمار الاستيطاني الصهيوني عن الاستعمار الحديث، بأنه صاحب طبيعة توسعية، ووحدوية في آن واحد.

          فإسرائيل دولة (اليهود) من النيل إلى الفرات، ومن جنوب تركيا إلى النيل، ومع ذلك فهي الدولة الوحيدة في العالم، التي لم ترسم حدودها، بل لم تضع لها دستورا كي لا تحرج في تثبيت الحدود، وهي التي تحلم بتوسيعها كلما أمكن. وهذه الدولة لكل اليهود، وهم اليوم أكثر من (15) مليونا، [ ص: 137 ] فإذا حشروا في فلسطين، ولن يحدث ذلك مع وجود البورصة في لندن ونيويورك - فهذا يعني أن الدولة تحولت إلى حوض.. سمك، يأكل كبيره صغيره.

          من هـنا نفهم الحديث المتكرر عن (إسرائيل الكبرى) .

          ومن حسن حظ العالم، فإن الاستعمار الحديث لم تكن له أحلام من نوع (إسرائيل الكبرى) فانتشر في القرن التاسع عشر، ثم جمع (صبيانه) ورحل في القرن العشرين، وإن كان (الكبار) ما زالوا يحلمون بتلك الأيام، ولكن من يملك أن يرجع عجلة التاريخ إلى الوراء؟؟ إن الكبار ما زالوا يحلمون (بيالطة) جديدة يقتسمون فيها النفوذ، أما الاستعمار بمفهوم القرن الماضي فقد مات مع موت الإمبراطورية البريطانية والفرنسية، وهيهات أن تبعث في ميت الحياة قبل يوم القيامة.

          وقد تحدث (غاي باجويت) عن هـذا الموضوع قائلا [1] [ ص: 138 ] (إن إسرائيل تتصف بطابعين متناقضين: فهي إمبريالية وتابعة في آن معا.

          إنها دولة إمبريالية، من حيث أنها تؤدي دورا إمبرياليا بالنيابة عن الدولة التي هـي تابعة لها. وهذا دون شك (نمط فريد) من الإمبريالية، وإن كانت البرازيل وإيران ، إيران الشاه، تلعبان إلى حد ما دورا مماثلا، أضف لذلك أن الإمبريالية الإسرائيلية خلافا لإمبريالية الدول الغربية، لا تنطوي على الهيمنة الاقتصادية، أو هـي تنطوي على ذلك إلى مدى محدود فقط... إنها أقرب ما يكون إلى حركة شبه إمبريالية وعسكرية، تنفذ مخططاتها عن طريق الحرب. وأخيرا لا بد من الاعتراف أنه من غير الممكن، جعل دور إسرائيل مقتصرا على (كلب الحراسة) بالنسبة للإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط، إذ هـي تواصل تنفيذ مخططاتها في الاستعمار الاستيطاني، طبقا لإستراتيجيتها الخاصة، وهذا المخطط لا يتطابق بالضرورة مع الإستراتيجية الإمبريالية الأمريكية [2] ، وليس في ذلك ما يدعو للدهشة، [ ص: 139 ] فالإيديولوجية الإسرائيلية، لا تتفق دوما مع الإيديولوجية الإمبريالية، كما أن الحركة الصهيونية لم تكن متفقة دوما مع الحركة الاستعمارية الاستيطانية العالمية...

          ماذا نستطيع أن نستخلص من ذلك كله؟ من المؤكد أن الدولة الإسرائيلية تقوم بمهمة إمبريالية في الشرق الأوسط، ولكنها نمط خاص من الإمبرياليات، فهي عسكرية، وشبه إمبريالية، لأنها تابعة لإمبريالية أخرى في نفس الوقت، ومع ذلك فليس من الممكن جعل إسرائيل مجرد خادم للإمبريالية وحسب، فهي مستمرة في تنفيذ المخطط الصهيوني، الذي هـو في الواقع مشروع استيطاني،... إن نجاح المخطط الصهيوني لاستعمار فلسطين، والاستيطان فيها، يعتمد كليا على قيام إسرائيل بمهمة إمبريالية بالنيابة عن الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، فهي تتلقى من الولايات المتحدة بوجه خاص المساعدات الاقتصادية والرساميل، لموازنة اقتصادها، وإنماء هـذا الاقتصاد، كما تتلقى كميات هـائلة من السلاح، وينعم معظم سكانها بمستوى عال، لكي تغري أكبر عدد ممكن من يهود العالم (بالعودة) كل ذلك تتلقاه مقابل الحرب التي تشنها على العرب، ولكن شن هـذه الحرب، هـو كذلك سبب بقائها معزولة وسط محيط معاد لها، كما هـو سبب بقائها معتمدة اقتصاديا على الدول الغربية. وهكذا تجد إسرائيل نفسها تدور في حلقة مفرغة شريرة، [ ص: 140 ] سداها ولحمتها عنصران متناقضان هـما التبعية والإمبريالية في آن معا) .

          وقد كشف الكاتب أن إسرائيل كدولة، تعتمد على توازن مهزوز، يستند إلى ثلاثة شروط [3] 1- الحفاظ على الوحدة الداخلية، وبذل الجهود لتيسير مستوى من المعيشة مرتفع، ووجود تهديد خارجي يرص الصفوف.

          2- الحفاظ على رغبة اليهود في القوة، أو رغبتهم في استمرار وجود دولتهم بحيث تكون ملجأ لمن يريد ذلك [4] 3- المساندة غير المشروطة التي تقدمها الولايات المتحدة، وبقية الدول الغربية، بحيث تغطي العجز الاقتصادي وتساند الموقف السياسي. فإذا اختل واحد من هـذه الشروط أو أكثر، فمن المحتمل أن تعجز إسرائيل عن الاستمرار والبقاء كدولة يهودية، كما رسمت ذلك الصهيونية. [ ص: 141 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية