الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          1- الشـعـور بالأخـوة

          ظل اليهود يشعرون بأخوتهم، وكونهم أبناء شعب واحد، رغم التفرق والشتات واختلاف الجنسيات والأوطان، وتقادم العصور، وقد صعب على الكثير تفسير هـذه الظاهرة. وكما قالت (مائير) فهو شعور مشترك، بل هـناك صلات بينهم لم تنقطع، فحين قام (شبتاي بن زفي) مدعيا أنه المسيح المخلص، استجاب له يهود اليمن وهولندا، بل قام اليهود في اليمن بتظاهرة، وطالبوا نائب الإمام أن يسلم لهم الحكم، قائلين إن دولة الإسلام قد انتهت، وجاء دور اليهود، وقدموا أحدهم بعد أن ألبسوه ثيابا بيضاء من حرير، فما كان من نائب الإمام إلا أن حقق معه، فلما تبين له أنه غير مختل العقل، حكم بقتله وصلبه، وظل معلقا أكثر من عشرة أيام، إلا أن اليهود ظلوا يصرون على أن دولتهم ستقوم قريبا. [1] (وفي تعبيراتهم الشعرية أن الرب قد اتخذ (أمتهم) عشيقة له، بل إنه تزوجها زواجا أبديا، حتى إذا خانته ودنست شرف العلاقة التي بينها وبينه، لم يطلقها -كما يفعل أحقر مخلوق من البشر- ولكنه يكتفي بأن يغضب ثم يرضى، [ ص: 56 ] وأن يعاقب ثم يصفح، فهي الأمة الحبيبة المعشوقة المدللة، التي تعلم مقدما أن الرب لن يجرؤ يوما ما على قتلها مهما أجرمت ... وتكثر في مثل هـذا المعنى أقوال الأنبياء والكهنة والشعراء والحالمين والصوفية على مدى أجيال إسرائيل ... ) ا هـ.

          وقد كتب وايزمن إلى زوجته [2] (بأن جميع اليهود مسئولون عن بعضهم وعلينا أنا وأنت، أن ندفع الثمن من أعصابنا عن خطايا الآخرين) وهذا (موسى هـيس) يصف ما ينوء به قومه من حمل ثقيل فيقول [3] (لا يمكن التخلص من عبء اليهودية، وفكه من كاهل اليهود والتقدميين، حتى يتحرر الشعب اليهودي، من ذلك الحمل الذي ناء به ببطولة لآلاف السنين، علينا جميعا واجب حمل عبء مملكة السماء حتى النهاية) .. والسؤال: ما هـذا العبء، ومن حمله لليهود؟؟

          أما (سولنسكين) فيرى أن وحدة اليهود فريدة في العالم [4] (قامت وحدتنا بأسلوب مختلف، وبصيغ مختلفة، مما ألفته بقية الشعوب الأخرى) والغريب في الأمر أنه ينفي بقوة [ ص: 57 ] أن تكون (الأرض أو التوراة أو اللغة) هـي التي صاغت هـذه الوحدة، ويردها إلى أنهم شعب روحي، وكأن الأرض خالية من شعب روحي، وليس على وجهها سوى اليهود.

          إن أتباع الديانات كافة يمكنهم أن يدعوا مثل هـذا وأكثر منه، فما هـذا الإعجاب بالنفس؟؟

          بل إن أصحاب المذاهب الوضعية يمكنهم أن يقولوا مثل هـذا، دون أن يكذبوا أو يكذبهم أحد.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية