الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          4- الحـق الإنسـانـي

          يقول اليهود: لكل شعب دولة ترعاه، وقيام دولة لهم هـو الحل الأمثل لمشاكلهم، حيث الاضطهاد يلاحقهم، والمصائب تنهال عليهم، ابتداء من هـدم دولتهم وانتهاء بالنازية التي قتلتهم وهجرتهم، وإن كافة الشعوب تختزل قدرا من العداء لهم، لذا لا حل [ ص: 152 ] سوى جمع هـذا الشتات وتخليصه من الاضطهاد، وتلك حاجة إنسانية ملحة، وحق إنساني لا يجادل فيه أحد.

          والسؤال: كان على الدوام في فلسطين أكثر من شعب فلماذا انصب الاضطهاد على اليهود دون غيرهم؟

          يجيب هـرتزل [1] (إن المشكلة اليهودية قائمة، ومن السخف أن ينكر ذلك، فهذه المشكلة تقوم وتوجد حيث يعيش اليهود، مهما قل عددهم، وهي إذا خلا منها مكان استوردها اليهود المهاجرون إليه، إننا معشر اليهود نتجه -بطبيعة الحال- إلى البلاد التي لا نلقى فيها، اضطهادا، غير أن مجرد وجودنا في بلد يثير ضدنا الاضطهاد حتما) .

          فهل الإجابة كافية؟؟ لا أعتقد.

          إن نظرة اليهود لأنفسهم ولغيرهم، وتجمعهم المريب، وطقوسهم المتزمتة ومحاولة السيطرة على اقتصاديات البلاد التي يحلون فيها، واحتكارهم وتعاونهم، واشتغالهم بالربا، كل هـذا وغيره سبب لهم الاضطهاد، ليس لهم فقط، بل لكل من يفعل مثلهم، وتقدم أن الهند في شرق أفريقيا واللبنانيين في غربها يعانون من مثل ما يعاني اليهود مع فارق، أن هـؤلاء يشكلون فقط كتلة اقتصادية ينظر لها بعين الحسد.

          ونظرا لغرابة الظاهرة واستمرارها سوف أستعرض بعض الأفكار على أمل إلقاء الضوء عليها وعلى الحق المدعى:

          أ - توينبي: يرى أن ليس من العدالة أن يدفع عرب فلسطين ثمن الجرائم التي قام بها الغرب ضد اليهود، والغرب صاحب [ ص: 153 ] إمكانات كبيرة، قياسا على الإمكانات الفلسطينية. [2] (أما بالنسبة لادعائهم بأنهم أصحاب حق في المطالبة بتعويضات عن الجرائم التي اقترفها الألمان بحقهم، فإن لهذا الادعاء ما يبرره تبريرا تاما، ولكن ادعاءهم بأن ما اقترفته النازية بحقهم من جرائم تقضي بإعطائهم وطنا خاصا بهم، فهو ادعاء مردود من أساسه، فإذا وجد لهذا ما يبرره، فإن هـذا الوطن الخاص يجب أن يمنح لهم في الأرض الألمانية، لا في الأراضي العربية، التي يمتلكها أهلها منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا) ا هـ.

          ويبدو أن الصهاينة استهدفوا إصابة عصفورين بحجر واحد، وهم خير من يحسن ذلك، فحصلوا في فلسطين على الوطن، وحصلوا من الألمان على الملايين التي استثمروها في تعمير هـذا الوطن، وهناك في العالم من يشجعهم ويعاونهم، ومن يسمي عدوانهم (حقا) ويصفق لضربهم الفلسطينيين بالقنابل الفراغية والعنقودية وسواها. [ ص: 154 ]

          ب: رسل: يلاحظ الفيلسوف البريطاني (رسل) أن الصهاينة وهم يشكون العدوان، قد اتخذوه مبررا للعدوان على أهل فلسطين وغيره [3] (كثيرا ما يقال لنا: إن علينا أن نتعاطف مع إسرائيل بسبب ما عاناه اليهود في أوروبا على يد النازيين ، ولكني لا أرى في هـذا القول ما يبرر إبقاء أية معاناة أخرى، فما تفعله إسرائيل اليوم أمر لا يمكن أن يغتفر، فاتخاذ فضائح الماضي مبررا لارتكاب فضائح الحاضر هـو نفاق ورياء. فإسرائيل لا تقف عند حد إخضاع عدد ضخم من اللاجئين للبؤس والشقاء، ولا تكتفي بإخضاع عدد كبير من العرب للاحتلال العسكري، بل هـي تحكم أيضا على الدول العربية، التي لم يكد يمضي وقت يذكر على خلاصها من الاستعمار، بالتعرض لحالة من الإفقار المستمر، لأنها مضطرة إلى إعطاء الأولوية للمطالب العسكرية وتقويمها على مقتضيات التنمية الاقتصادية الوطنية) .

          جـ - يقول إسحاق دويتشر [4] : (إن المسئولية بشأن مأساة [ ص: 155 ] يهود أوروبا والمذابح التي مورست في مراكز تجمعهم تقع كليا على عاتق (حضارتنا) الغربية، التي تشكل النازية ابنا شرعيا وإن كان فاسدا لها، ومع ذلك فإن العرب قد دفعوا ثمن الجرائم، التي ارتكبها الغرب تجاه اليهود، وهم لا يزالون مرغمين على دفع الثمن كل يوم، ذلك الضمير الغربي المذنب الذي يحس، هـو بالطبع مؤيد لإسرائيل ومعاد للعرب) . وبفضل تأييد الغرب لإسرائيل كثر عدوانها وعظم استهتارها، ولو وقف الغرب موقفا محايدا أو لائما، لخففت إسرائيل الكثير من عدوانها.

          د-يقول الفيلسوف الصهيوني مارتن بوبر [5] (إن أغلبية الشعب اليهودي قد فضلت أن تتعلم من (هتلر) أكثر مما تعلمت من (موسى) ذلك أن هـتلر أثبت أن التاريخ ليس من نصيب من يملك الإيمان ولكنه من نصيب من يملك القوة، وإذا ملك القوة، فإنه يستطيع أن يقتل دون حياء) وهذا ما دأبت عليه إسرائيل، فالطفل الذي يلقي حجارة يقتل، والمسكن يهدم، والأشجار تقلع، والأرض تصادر، والكبار يصفقون لهذا الوليد المدلل، فهو يصنع المعجزات. [ ص: 156 ]

          هـ. وأخيرا يقول الكاتب اليهودي الأمريكي (موشى مينوهين) [6] (إن النماذج الجديدة من اليهود التي ظهرت في إسرائيل أخيرا، لا تنتمي إلى اليهود الذين أنتمي إليهم، هـؤلاء نازيون فقدوا كل شعور إنساني) .

          فما هـو إذن هـذا الحق الإنساني؟؟

          إن كان لكم حقوق فاطلبوها عند من اعتدى عليكم أو ظلمكم، أما أن تساوموا فتقبضوا من الألمان الملايين من الماركات، وتستولوا على الأراضي الفلسطينية وتصادروا المزارع، ثم تقوموا بإرهاب مدروس، تشردون به العرب ثم تلاحقونهم بالطائرات وبكل ما زودكم به الغرب، فهذه نازية جديدة أقبح وأصلف من نازية هـتلر، واليوم ما يزال حاخامات ينادون بوجوب طرد الشعب الفلسطيني كله خارج فلسطين، ليفسح المجال أمام يهود قد استقروا في وطن، ويطلب إليهم الهجرة، حتى إذا هـاجروا دخل ربعهم فلسطين وثلاثة أرباعهم، راحت تتعبد الله في بورصة لندن أو نيويورك، ثم تدعون الحقوق الإنسانية، فالأجدر أن يطلق عليكم، وعلى من يشجعكم أعداء الإنسانية.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية