الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          6 - الحـق الإنشـائي

          اخترع الصهاينة حقا أسموه (الحق الإنشائي) مدعين أنهم قاموا بأعمال وإنجازات حققوها في فلسطين، وأخرى يتطلعون إليها، وأهمها التفوق الحضاري، وملء الفراغ الذي تعيشه فلسطين والشرق، وذلك عن طريق المكاسب أو (المكاسر) التي سيجنيها العرب من وجود الصهاينة في فلسطين ونشاطهم فيها.

          وهذا المنطق مستعار من دهاقين الاستعمار.

          أما ما استفاده أهل فلسطين فشيء عظيم حقا يتمثل بتحويل الملايين منهم إلى لاجئين بعضهم في الداخل والبعض في الخارج، ونهب أرضهم وممتلكاتهم، وما زال الصهاينة يمدونهم بأسباب الحضارة والتقدم، فتزورهم الطائرات وتهديهم القنابل العنقودية وغيرها كما تغير قواتهم يوميا لتقتل منهم من تستطيع، وأما من بقي منهم في الداخل، فتداهمه قواتهم يوميا، تعتقل من تشاء، وتعذب من تشاء، [ ص: 165 ] وتفرض منع التجول كما تشاء، تغلق المدارس، وتقتل الصبيان، وهذا ما تقدمه لأهل فلسطين، أما ما قدمته الصهيونية لشعوب المنطقة، فهي الحروب المتصلة والغارات التي لا تنقطع، وحرب لبنان خير دليل، ثم إجبار الحكومات على شراء السلاح، واستهلاك الثروة القومية كلها في هـذا الميدان، إضافة إلى إغراء الكبار بالتدخل، فالاستعمار الذي رحل عاد مجددا بسبب إسرائيل، وسياستها العدوانية، وإشعالها الحروب، وتهديدها للمنطقة بأسرها، حتى وصلت طائراتها إلى بغداد وإلى تونس ، وقد سبق أن نقلت شهادتين للفيلسوف رسل وتوينبي توضح بجلاء دور إسرائيل الحضاري.

          ومن صور الكذب والنفاق ما قاله الزعيم الصهيوني (ماكس نوردو) .

          (سوف [1] نبذل ما في وسعنا لكي نعمل في الشرق ما عمله الإنكليز في الهند - بل أوسخ وأقذر منهم - أعني بذلك النشاط [ ص: 166 ] الثقافي والحضاري، وليست السيطرة والتسلط، فنحن ننوي الذهاب إلى فلسطين بمثابة الحملة المعتمدين للمدنية والتحضر، ورسالتنا هـي توسيع الحدود الخلفية حتى تصل إلى الفرات) ولماذا يقف التحضر والبركات عند الفرات فقط؟؟ هـل لأن هـذه حدود إسرائيل التوراتية أم ماذا؟؟

          ومع ذلك فقد وصلت طائراتكم إلى بغداد موسعة (الحدود الخلفية) إلى دجلة، وليس للفرات، فهل حصل خطأ من الطيارين؟؟ ومن الأكاذيب الكثيرة قولهم إن أرض فلسطين خالية من الزرع، وتسكنها بعض القبائل البدوية، وقد جاءوا لتعميرها. إلا أن صهيونيا انبرى لتكذيبهم هـو (آحاد هـعام) حيث قال [2] (اعتدنا أن نقول في التاريخ بأن أرض فلسطين شبه صحراوية، وأنها لا زرع فيها ولا ضرع وعلى من يشاء الحصول على أرض أن يأتي هـنا ويأخذ ما [ ص: 167 ] يشاء، غير أن الواقع مخالف لذلك تماما، فيصعب أن نجد في طول البلاد وعرضها أرضا بلا زرع، والمناطق الوحيدة غير المستزرعة هـي مساحات من الرمال وجبال صخرية، يمكن أن تنموا بها أشجار الفاكهة بعد جهد شاق من استصلاح الأرض وإعدادها) .

          وقد شهد العالم عند تسليم سيناء للمصريين، ما فعله الصهاينة، حيث نسفوا المباني، ولم يتركوا شيئا، فهذه هـي رسالة الحضارة التي وعدونا بها، وباقي الرسالة سطرت في حرب بيروت، وفي مذابح دير ياسين ، وفي تعذيب السجناء حتى الموت، هـذه الرسالة الحضارية التي لمسناها ورأيناها، إن الصهيوني ولو كان من أصحاب الملايين، فهو في أعماقه (شحاذ) والشحاذ معتاد على الأخذ لا العطاء، بل هـو يجهل العطاء، ويده دوما مفتوحة للأخذ. قد يتبرع الصهيوني لصهيوني آخر، لكنه لم يتعود العطاء للأغيار، ولن يتعود أبدا.

          فالادعاء بحق (إنشائي) هـو لعب بالألفاظ، كما كان الاستعمار يقول أتينا لتمدينكم وتحضيركم، ثم تكون النتيجة فتح النار على الشعوب، ونهب خيراتها.

          والصهاينة تلاميذ السيد المستعمر، ولن يتجاوزوه في هـذا إلا في المزايدة والكلام المعسول المنمق.

          أنصح القارئ المحب للتوسع في باب (الحقوق الإسرائيلية) أن يطلع عليها في رسالة الأخ (أحمد عبد الله الزغيبي) والتي كانت تحت عنوان (الفكر الصهيوني وأهدافه في المجتمع الإسلامي، والأمل أن تطبع قريبا بإذن الله. [ ص: 168 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية