الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          2- فـقـدان الـرغبـة فـي الحـوار

          شهد تاريخ العالم ألوانا من الحوار الودي والساخن، بين الأمم والشعوب، ولكن اليهود لم يساهموا أو يشاركوا في ذلك، والتزموا دور المتفرج، أو الصامت الحذر، فهل يخشون الحوار؟؟ أم يعتقدون أن الشعوب الأخرى دون مستواهم، فلا ثمرة ترجى من الحوار؟؟ من الواضح أن تقدير اليهود لوسائل الإعلام كبير جدا، واهتمامهم بها بات معلوما لكل واحد، وهم يملكون من هـذه الوسائل ما لا تملكه أمة أخرى، ومع كل هـذا فهم يستعملونها لتقديم وجهة نظرهم، والترويج لما يريدون، ولمن يحبون، كما يستعملونها وسيلة [ ص: 58 ] لحرب خصومهم وارهابهم، وكان الحوار آخر شيء يفكرون به.

          لدى اليهود شعور بأن جميع الأمم تعاديهم، بل تكرههم، وتختزن قدرا من (اللاسامية) . وقد صاغت موسوعتهم الثقافية ذلك بأجلى عبارة [1] (إن التحامل ضد اليهود، هـو نوع من المشاعر الغريزية والطبيعية، التي تظهر في أي وقت يحتك فيه رجال من سلالات مختلفة بعضهم بالبعض الآخر) .

          فما أسباب التحامل ضد اليهود؟؟ ولماذا لا يكون مجرد شعور من اليهودي تجاه الآخرين؟؟

          يذهب (ألن تايلور) في بحثه (الصهيونية بين النظرية والتطبيق) إلى أن الصهيونية تنظر للمجتمعات الأخرى نظرة عداء [2] (كانت الصهيونية تنظر دوما، لشعوب الأمم الأخرى، كمجتمعات خارجية معادية على الدوام، ينبغي لليهود أن ينشئوا نظاما متينا لاتقاء شرها، والدفاع عن أنفسهم منها، فالدولة اليهودية هـي المفتاح لأمن اليهود) وقد ذكر (القشطيني) في بحثه (الجذور الأيديولوجية للعنصرية الصهيونية) نفس المعلومة [3] [ ص: 59 ]

          أما هـرتزل فيكشف عن نظرة اليهود لعموم الشعوب قائلا [4] : (إن الشعوب التي يعيش اليهود بينها، هـي بوجه عام شعوب لا سامية، وإن كان هـذا الموقف سافرا لدى بعضها، ومقنعا لدى البعض الآخر) .

          لماذا هـذا الكره،، لليهود بالذات؟؟

          ويحدد " سيد ياسين " السمات الشخصية لليهود، فيصفها بالقلق والإحساس بالدونية والشك، وعدم الثقة بغير اليهود، وقد انتقلت هـذه السمات إلى المجتمع الإسرائيلي في الوقت الحاضر، ويؤيد ذلك بعض الباحثين النفسيين الأمريكيين [5] أما عالم النفس الإسرائيلي (روبنشتاين) فيرى أن اليهود يتسمون باتجاهات شك عميق الجذور تجاه الآخرين، وهذا الشك يسد العلاقات الشخصية، ويكشف عن نفسه في كل تفاعل مع العالم الخارجي، وهو على ثلاثة مستويات:

          1- شك موجه ضد العرب.

          2- شك ضد العالم غير اليهودي.

          3- شك موجه ضد النظم والأجهزة الدولية [6] . [ ص: 60 ]

          وترى العالمة الأميركية (مارجريت مين) [7] أن العامل الضروري دائما للحفاظ على الهوية اليهودية، هـو وجود جماعات من غير اليهود (فالشيء الوحيد الذي كان ضروريا لتمييز جماعة من اليهود هـو وجود بعض الأغيار) .

          كما وجدت انشغالا كبيرا للإسرائيليين بكل ما يتصل بالهوية والرسالة الخاصة لإسرائيل، وبوضع الشعب الإسرائيلي، الذي يختلف عن أي شعب آخر. وأعود إلى (كره اليهود) . فما الذي يجعل العالم يكرههم، كما يحمل اليهود على الشك بغيرهم والنفرة منهم؟

          والذي أتصوره هـو اجتماع أكثر من عامل واحد في ذلك:

          1- تعالي اليهود على غيرهم وتمسكهم بخرافة (شعب الله المختار) التي لا تقوم على العمل الصالح، بل على العنصر والدم.

          2- رفضهم الاختلاط بغيرهم، وعدم أكلهم طعام (الأغيار) أو ذبيحتهم.

          3- تعاملهم بالمال، واستيلاؤهم على البنوك، [ ص: 61 ] واستحلالهم الربا، على كافة المستويات، ومحاولة الكسب على حساب الآخرين.

          فكل من يفعل ذلك يكون مكروها، ويحقد عليه. وقد وجدت خلال رحلات في أفريقيا، أن الهنود في شرقها، واللبنانيين في غربها، قد وقعوا في نفس المصيدة، فطردوا من أكثر من بلد وصودرت أموالهم، وتعرضت للنهب والسلب، كما تعرض الأفراد للكره والازدراء. وما حل ويحل باليهود مأخوذ في هـذه الزاوية، فكل من يزاحم شعبا في بلده في رزقه، ويستولي على أكثر الكسب الاقتصادي، فهذا الصنف يتعرض لنقمة المواطنين، مع قطع النظر عن أصله ودينه ومعتقده، فإذا كان غريبا ودينه كذلك ولغته غريبة، فإن النقمة تنصب عليه عاجلا أو آجلا، يستوي في ذلك اليهود وغيرهم، فإذا أراد اليهود تجنب الكره فعليهم البعد التام عن أسبابه، كما عليهم أن لا يربطوا ذلك بالعنصر أو الدين. فذو النعمة ما زال محسودا منذ آلاف السنين.

          ويبدو أن اليهود لا يريدون الاعتراف في ذلك، وأحسبهم لا يجهلونه، بل يتجاهلونه فقط.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية