الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          2 - الـحـق الدينـي

          يدعي اليهود بأن نصوصا في توراتهم - التي قال عنها أبا إيبان يوما وهو [ ص: 146 ] (خرفان) : إنها كتبت في السبى - ووعودا تقول: بأن الله وعد إبراهيم عليه السلام بأن يعطيه أرض كنعان ، ووعودا أخرى - يفوح منها رائحة الكذب اليهودي - بأن الله قال لليهود: كل شبر أرض تطأه بطون أقدامكم أعطيه لكم.

          هذه الوعود في كتابهم الذي أصابه التحريف والتبديل باعتراف من (3) آلاف من القسس، كلفوا بدراسته، فقالوا بأن كلام الرب قد اختلط بكلام البشر. وقد نسخ بعد قيام السيد المسيح عليه السلام ، ونزول القرآن وعلى فرض صحة النصوص، فهل هـي مشروطه أم لا؟؟ فالله تعالى حين وصف الأمة الإسلامية بالخيرية جعلها مشروطه ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) فهذه الخيرية مشروطة بشروط متى فقدت، زالت صفة الخيرية، وهذا مقتضى العدل الإلهي.

          لكن اليهود يرفضون كل شرط، بل تعلل توراتهم الأمر تعليلا غريبا جدا، جاء في سفر التثنية - وهو من الأسفار التي أطلق عليها جارودي صفة: أسفار العنصرية - (ليس لأجل برك وعدالة قلبك تدخل لتمتلك أرضهم، بل لأجل إثم أولئك الشعوب يطردهم الرب إلهك من أمامك، ولكي يفي بالكلام الذي أقسم الرب عليه لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فاعلم أنه ليس لأجل برك يعطيك الرب إلهك هـذه الأرض الجيدة لتمتلكها، لأنك شعب صلب الرقبة) التثنية الإصحاح 9 / 5 -6.

          فإذا كان الشعب المدلل.. صلب الرقبة.. فلم هـذه الوعود؟ وبماذا يستحقها؟ إن هـذا مخالف للعدل الإلهي. [ ص: 147 ]

          والأعجب من كل ذلك دعواهم بأن هـذه الوعود أزلية، علما بأنها لم تتحقق إلا لعشرات السنين، على عهد داود وسليمان عليهما السلام، ومن بعدهما انتهت السيطرة الاسرائيلية، وتشرد اليهود، بينما بقيت تلك الشعوب في مكانها تزرع أرضها، وتعيش على خيراتها.

          والأمر الملفت للنظر أن هـذه الشعوب لم تتعرض للسبي والتشريد كما تعرض اليهود، فلماذا؟؟.

          ولنفرض أن اليهود تركوا دينهم، وتحولوا حتى لعبادة الأصنام كما تذكر التوراة، فهل تبقى هـذه الوعود بعد الكفر؟ وإذا بقيت فأين وجه العدالة في ذلك؟؟ أمن أجل سواد عيون اليهود فقط؟؟!! وهذا سفر التثنية يضع النقاط على الحروف فيقول: (قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير والموت والشر، بما أني أوصيتك اليوم أن تحب الرب إلهك وتسلك في طريقه، وتحفظ وصاياه، وفرائضه وأحكامه، لكي تحيى وتنمو، ويباركك الرب إلهك في الأرض، التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها، فإن انصرف قلبك ولم تسمع، بل غويت وسجدت لآلهة أخرى وعبدتها، فإني أنبئكم أنكم لا محالة تهلكون) التثنية الإصحاح 20 / 15 -18.

          وقد تكرر هـذا في أسفار أخرى كالخروج 19 / 5 والملوك الثاني 9 / 2 وكيف يتصور رضى الرب يقول كتابهم: (وعمل بنو إسرائيل سرا ضد الرب إلههم، أمورا ليست بمستقيمة... وأقاموا لأنفسهم أنصابا وسواري... وأوقدوا هـناك على جميع المرتفعات، وعملوا أمورا قبيحة لإغاظة الرب... وعبدوا الأصنام ورفضوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم، وشهاداته التي شهد بها عليهم، وساروا وراء الباطل، [ ص: 148 ] وتركوا جميع وصايا الرب، وعملوا لأنفسهم مسبوكات عجلين [1] ، وعملوا سواري وسجدوا لجميع جند السماء، وعبدوا البعل، وباعوا أنفسهم لعمل الشر في عين الرب لإغاظته) الملوك الثاني الإصحاح 17 / 9-17.

          فماذا بقي من الجرائم والآثام لم يرتكب؟ وهل بعد الكفر ذنب؟؟ كيف يعهد الله لأمة تغيظه وتصنع عجلا وتعبده، وتعبد صنما أو أصناما؟! فهل لمثل هـذه الأمة حق، وحق ديني؟!! وهي الكافرة بدينها؟؟ لنستمع (لأرميا) يصرخ (ها أنذا أطعم هـذا الشعب أفسنتينا وأسقيهم ماء العلقم، وأبددهم في أمم لم يعرفوها ولا أباؤهم، وأطلق وراءهم السيف حتى أفنيهم) أرميا الإصحاح 9 / 15 -16.

          وما دمنا في الحديث عن أرميا فلنقرأ قوله: (هكذا قال الرب، وإن نقضتهم عهدي مع النهار وعهدي مع الليل، حتى لا يكون نهار ولا ليل في وقتهما، فإن عهدي مع داود عبدي ينقض.... إن كنت لم أجعل عهدي مع النهار والليل، فرائض السماوات والأرض، فإني أرفض نسل يعقوب وداود عبدي، فلا آخذ من نسله حكاما لنسل إبراهيم ، وإسحاق ويعقوب ... ) أرميا الأصحاح 33 / 20 -26

          هذا هـو المنطق السليم: متى نقض اليهود عهد الله، فإنه تعالى لا ينفذ وعده وعهده لهم، لأنهم إنما يستحقون الوعد والعهد بالاستقامة، فإن عزفوا وكفروا فلا عهد لهم..

          هذه الأمة هـل يعقل أن تكون لها حقوق دينية؟؟ [ ص: 149 ]

          لو فتح باب (الحق) الديني ألا يكون من حق النصارى المطالبة بفلسطين ، ففيها ولد السيد المسيح عليه السلام وعاش، ومارس الدعوة، ثم صلب ودفن، ثم رفع إلى السماء حسب اعتقاد النصارى. أما موسى عليه السلام فقد ولد بمصر ومات قبل أن يدخل فلسطين، ودفن عند التلة الحمراء كما تقول التوراة، فمن أحق بفلسطين من هـذا الوجه؟؟

          التالي السابق


          الخدمات العلمية