الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين .

[81] وسبب هلاك قارون: أنه بغى على موسى، وكان أول طغيانه: أن أوحي إلى موسى: أن مر بني إسرائيل أن يعلقوا أرديتهم خيوطا أربعة خضرا على لون السماء يذكرون إذا رأوها أن كلامي نزل منها، قال موسى: ألا نأمرهم بجعلها كلها خضرا; فإنهم يحقرون هذه الخيوط؟ فقال: يا موسى! إن من أمري ليس بصغير وإن هم لم يطيعوني في الصغير، لم يطيعوني في الكبير، فأمرهم، ففعلوا، وامتنع قارون، ولما عبروا البحر، جعل موسى الجودة والقربان في هارون، فقال: يا موسى! تذهب بالرسالة، وهارون [ ص: 221 ] بالقربان والجودة، فما يبقى لي، وأنا أقرأ بني إسرائيل للتوراة؟! ليس لي على هذا صبر، فقال موسى: من الله، فقال: لا أصدقك حتى تأتي على ذلك بآية، فأمر موسى أشراف قومه بوضع عصيهم في بيت، ففعلوا، وباتوا يحرسونها، فأصبحت عصا هارون مورقة خضراء، فقال قارون: ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر، واعتزل موسى، وجعل موسى يداريه; لما بينهما من القرابة، وهو لا يلتفت إليه، وبنى دارا، وصفحها بالذهب، وجعل أبوابها ذهبا، وتكبر بسبب كثرة ماله على موسى، ولما نزلت الزكاة، صالحه موسى على أن يعطيه عن كل ألف دينار دينارا، وعن كل ألف درهم درهما، وعن كل ألف شاة شاة، ثم رجع موسى إلى بيته، فجمعها، فرآها جملة عظيمة، فلم تسمح بذلك نفسه، فمنعها، وخرج عن طاعة موسى، وأحضر امرأة بغيا، وأمرها بقذف موسى بنفسها، فلما كان يوم العيد، قام موسى خطيبا، فقال: من سرق قطعناه، ومن زنى غير محصن جلدناه، ومن زنى محصنا رجمناه، فقال قارون: ولو كنت أنت؟! قال: وإن كنت أنا، فقال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، فأحضرت، فأنشدها موسى بالله أن تصدق، فقالت: جعل لي قارون جعلا على أن أرميك بنفسي، فخر موسى ساجدا يبكي، وقال: يا رب! إن قارون قد بغى علي ، فأقبل موسى حتى دخل قارون، وقال: يا عدو الله! تبعث إلي المرأة على رؤوس بني إسرائيل تريد فضيحتي؟! يا أرض خذيه، فساخت داره في الأرض ذراعا، وسقط قارون عن سريره، فأخذته الأرض إلى ركبتيه، فقال: يا موسى! أغثني، فقال: يا عدو الله تبني مثل هذه الدار، وتشرب في آنية الذهب والفضة، وأنا أدعوك إلى [حظك] فلا تقبله، وتقول: إنما أوتيته على علم عندي؟! يا أرض خذيه، فأخذته، روي أنه ناشده سبعين مرة، [ ص: 222 ] وهو لا يلتفت إليه; لشدة غضبه، ثم قال: يا أرض خذيه، فانطبقت عليه، فذلك قوله تعالى: فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله من دون عذابه، فأوحى الله إلى موسى: ما أغلظ قلبك، استغاث بك سبعين مرة فلم تغثه؟! فوعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة واحدة، لأغثته.

وما كان من المنتصرين الممتنعين مما حل به.

روي أنه خسف به إلى الأرض السفلى، ولما خسفت به، قال بنو إسرائيل: إنما دعا عليه ليستبد بأمواله، فدعا موسى، فخسف بجميع أمواله .

التالي السابق


الخدمات العلمية