الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا .

[26] ثم بعد ذهاب الأحزاب إلى بلادهم، رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بأصحابه، فجاءه جبريل -عليه السلام-، وقال: وضعتم السلاح؟ إن الملائكة لم تضع أسلحتها منذ أربعين ليلة، إن الله يأمرك بالمسير إلى قريظة، وإني مزلزل حصونهم ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا، فأذن: أن من كان سامعا مطيعا، فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ، وأعطى رايته عليا، فسار بالناس حتى دنا من الحصن، فحاصرهم - صلى الله عليه وسلم - خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار، فقالوا لأبي لبابة: أننزل على حكم محمد؟ فقال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، وتقدم خبر أبي لبابة في سورة الأنفال، فطلب بنو قريظة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبه، فجاء راكب حمار، وكان رجلا جسيما، فقال - صلى الله عليه وسلم -: قوموا إلى سيدكم ، فأنزلوه، فنزل، فقالوا: يا أبا عمرو ! إن [ ص: 356 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ولاك مواليك لتحكم فيهم، فقال لمواليه: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيها ما حكمت؟ قالوا: نعم، قال: وعلى من ها هنا؟ في الناحية التي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو معرض عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجلالا له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم ، فقال: أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء ، فكبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ، فاستنزلوا، ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وحبسهم في دار بنت الحارث : امرأة من بني النجار، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سوق المدينة، فحفر به خندقا، وضربت أعناقهم فيه، وكانوا ست مئة، أو سبع مئة، وقيل: كانوا بين الثمان مئة إلى التسع مئة، ثم قسم الأموال والسبايا، واصطفى لنفسه - صلى الله عليه وسلم - ريحانة بنت شمعون، فكانت في ملكه حتى مات، ولم يستشهد في هذه الغزوة سوى خلاد بن زيد بن ثعلبة، دلت عليه امرأة من بني قريظة رحى شدخت رأسه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: له أجر شهيدين ، وقتلها به .

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، ولا شيء بعده ، وكانت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة الشريفة، فأنزل الله تعالى في قصة بني قريظة: [ ص: 357 ]

وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب أي: أعانوهم; يعني: الأحزاب من صياصيهم حصونهم، وكل ما يمتنع به أو فيه صيصية. قرأ يعقوب : (صياصيهم) بضم الهاء، وابن كثير ، وأبو جعفر : يضمان الميم، ويصلانها بواو في اللفظ حالة الوصل، واختلف عن قالون .

وقذف في قلوبهم يعني: بني قريظة الرعب قرأ ابن عامر ، والكسائي ، وأبو جعفر ، ويعقوب : (الرعب) بضم العين، والباقون: بإسكانها .

فريقا تقتلون منهم، وهم الرجال.

وتأسرون فريقا منهم، وهم النساء والذراري.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية