يجب أن يؤمن حكامنا بأنهم يعيشون في أوطان الإسلام, ويحكمون أناسا مسلمين، ومن حق كل قوم أن يحكموا وفقا لعقيدتهم، وأن تأتي دساتيرهم وقوانينهم معبرة عن معتقداتهم وقيمهم وتقاليدهم، وأن تصاغ مناهج التربية والتعليم وفقا لها، وأن تسير أجهزة الإعلام والثقافة في اتجاه حمايتها وتثبيتها ونشرها، وأن توضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية والداخلية والخارجية في إطارها، وفي خدمة أهدافها.
أما أن يدعوا الإسلام ويرفضوا حكمه، ويعرضوا عن قرآنه وسنة نبيه، ويتنكروا لشعائره وشرائعه، فهذا ما لا يقبله عقل، ولا يرضاه دين.
ولقد بلغ تحدي الحكام في أكثر البلاد الإسلامية لضمائر جماهير المسلمين حدا لا يحتمل.
فمنهم من يرفض الإسلام جهرة مناديا بالتبعية للشرق أو الغرب، [ ص: 132 ] ولا يقبل أن يبقى للإسلام مجرد زاوية يعبر فيها عن نفسه، حتى المسجد أصبح الدين فيه موجها لتأييد النظام الحاكم، ومن اجترأ على المخالفة فيا ويله ثم يا ويله!!
ومنهم من يدعي الإسلام, ولكن إسلامه من صنع عقله هـو، ومن إيحاء هـواه، ومن تزيين شيطانه، يأخذ من الإسلام ما يروقه، ويدع منه ما لا يعجبه، فما قاله عن الإسلام فهو الحق، وما أنكره فهو الضلال، لا يعترف بالسابقين ولا اللاحقين ولا المعاصرين، ولا يبالي أن يخالف الأمة كلها سلفا وخلفا، من الصحابة فمن بعدهم، ولا حاجة به لأن يرجع لأئمة الفقه وعلماء الأصول، ومفسري القرآن، وشراح الحديث، فهو الفقيه والأصولي والمفسر والمحدث والمتكلم والفيلسوف، كما قال الشاعر قديما:
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
وهو هـذا الواحد ولا ثاني له!! حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس في حاجة إلى أن يأخذ عنه، ويتتلمذ عليه، لأنه استغنى - في زعمه - بالقرآن عنه! ونسي أنه هـو المبين للقرآن، وأن القرآن نفسه يقول: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (النساء: 80) .ومنهم من استورد الأفكار والقوانين، ولكنه ترك للإسلام ركنا صغيرا على الرغم منه، مثل الأحوال الشخصية في القوانين، والحديث الديني في الإذاعة والتلفاز، والصفحة الدينية يوم الجمعة في الجريدة.. ونحوها. [ ص: 133 ]
على أن يعلم أن هـذا الركن إنما هـو للدين وليس للإسلام، والدين هـنا بمفهومه الكنسي الغربي: علاقة بين ضمير العبد وربه، أما الحياة والمجتمع فدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله!!
هذا هـو الدين عند القوم: عقيدة بلا شريعة، ودين بلا دولة، وتعبد فردي بلا دعوة ولا جهاد، ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر.
فإن طوعت لك نفسك من فوق منبرك، أو من خلال صحيفتك، أن تنكر منكرا، أو تنقد انحرافا، أو تنصر دعوة للحق، أو تقاوم فكرة للباطل، قيل لك: قد عدوت قدرك، وتجاوزت طورك، وأدخلت الدين في السياسة، ومزجت السياسة بالدين، وبعبارة أخرى: سيست الدين، ودينت السياسة، وكان عليك أن تعلم غير ما علمك الله ورسوله وصحابته وتابعوهم بإحسان، وأسلاف الأمة وأخلافها: أن لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين!
لقد آن لحكامنا أن يعلموا أنه لا خلاص لشعوبهم، ولا استقرار لمجتمعاتهم إلا بالإسلام, وكما " قال عمر بن الخطاب : " نحن كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام, فمهما نطلب العز بغيره أذلنا الله " . "
وما لم يحكم الإسلام في حياتنا، فستظل مجتمعاتنا تفرز بين حن وآخر متطرفين دينيين وغير دينيين.