الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          2- خذوا عن أهل الورع والاعتدال

          وإذا كان لكل علم أهله ورجاله، فنصيحتي للشباب المسلم أن يأخذوا العلم الشرعي من ثقات العلماء الذين يجمعون بين سعة العلم والورع والاعتدال.

          وأساس العلم الشرعي هـو: الكتاب والسنة، ولكن لا غنى لمن يريد فهمهما عن تفسير المفسرين، وشرح الشراح، وفقه الفقهاء، ممن خدموا الكتاب والسنة، وأصلوا الأصول، وفرعوا الفروع، وخلفوا لنا تراثا عريضا، لا يعرض عنه إلا جاهل أو مغرور.

          فمن ادعى علم الكتاب والسنة، وطعن في علماء الأمة فليس بمأمون على تعاليم الدين، ومن أخذ عن العلماء وكتب المذاهب، مهملا دلائل القرآن والحديث، فقد أهمل أصل الدين ومصدر التشريع.

          وقد يوجد من علماء الدين من يتخصص في فرع من فروع الثقافة الإسلامية، لا يتصل اتصالا مباشرا بالكتاب والسنة (كالعلم بالتاريخ أو [ ص: 207 ] الفلسفة أو التصوف مثلا) فهؤلاء يستفاد منهم في مجالهم، ولكنهم ليسوا أهلا للفتوى، ولا يصلحون لتلقي العلم الشرعي عنهم.

          وقد يكون بين هـؤلاء من يجيد فن القول والدعوة والخطابة، والقدرة على التأثير في الجماهير وهز أوتار القلوب، ولا يعني هـذا أنه من أهل التحقيق العلمي، فكثيرا ما يجمع بين الغث والسمين، وما يخلط بين الأصيل والدخيل، وما يمزج بين الحقيقة والخرافة، وكثيرا ما تشتبه عليه المسائل، فيفتي بغير علم فيضل ويضل، وكثيرا ما تختلط عليه المراتب، فيضخم الصغير، ويصغر الكبير، ويعظم الهين، ويهون العظيم، وكثيرا ما يعتقد السامعون المبهورون بحسن الأسلوب، وسحر البيان: أن مثله جدير أن يؤخذ عنه، ويتلقى منه.

          ولا يخفى أن الوعظ والخطابة فن، وأن الفقه والتحقيق فن آخر، وليس كل من يحسن أحدهما يحسن الآخر.

          ولا يقبل العلم من عالم، ما لم يجمع إليه العمل به، وهو ما عبرنا عنه بالورع، وأساسه خشية الله تعالى، التي هـي ثمرة العلم الحقيقي ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) (فاطر: 28) .

          وهذا الورع أو تلك الخشية هـو ما يمنع العالم أن يقول على الله بغير علم، أو يوظف علمه في خدمة نظام أو سلطان، فيبيع دينه بدنيا غيره.

          والصفة الثالثة لمن يؤخذ عنه العلم في عصرنا هـي: الاعتدال الذي هـو خاصة دين الإسلام، وقد ابتلينا في عصرنا بصنفين متقابلين ممن ينتسبون إلى العلم: المفرطين والمفرطين، أو الغلاة والجفاة، كما قال الحسن البصري رحمه الله: يضيع هـذا الدين بين الغالي فيه والجافي عنه. [ ص: 208 ]

          نجد من هـؤلاء من يكاد يحرم على الناس كل شيء، وفي مقابلهم من يكاد يبيح لهم كل شيء.

          نجد من هـؤلاء من يوجب التقليد لمذهب بعينه ويغلق باب الاجتهاد، وفي الجهة الأخرى من يطعن في المذاهب كلها، ضاربا بجهودها واجتهاداتها عرض الحائط.

          نجد من هـؤلاء الحرفيين المتمسكين بظواهر النصوص، دون نظر إلى المقاصد، أو رعاية للقواعد، ونجد في مواجهتهم المئولين الذين حولوا النصوص في أيديهم إلى عجينة قابلة لما شاءوا من معان ومضامين.

          والصنف المطلوب المأمون: هـو الصنف الوسط المعتدل بين الغلاة والمتسيبين، الذي يجمع بين عقل الفقيه وقلب التقي، ويلائم بين الواجب المطلوب، والواقع المعاش، ويميز بين ما يرتجي الخواص وما يعانيه العوام، ويعرف أن لحالة الاختيار والسعة حكمها، وللضرورات أحكامها، ولا يدفعه التيسير إلى إذابة الحواجز بين الحلال والحرام، كما لا يدفعه الاحتياط إلى التشديد والتعسير على عباد الله، ورحم الله إمام الحديث والفقه والورع، سفيان الثوري حين قال: إنما العلم الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد!!

          التالي السابق


          الخدمات العلمية