الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          لكل شيء أجل مسمى

          والسنة الثانية وهي متممة للسنة السابقة: أن لكل شيء أجلا مسمى يبلغ فيه نضجه أو كماله، وهذا ينطبق على الماديات والمعنويات فلا ينبغي أن يستعجل الشيء قبل أن يبلغ أجله المقدر لمثله، فإن الزرع إذا حصد قبل إبانه، والثمر إذا قطف قبل أوانه، لا ينتفع به النفع المرجو، بل قد يضر ولا ينفع.

          فإذا كان النبات لا يؤتي أكله إلا بعد أشهر أو سنة، وبعض الشجر لا يثمر قبل سنوات عدة، فبعض الأعمال الكبيرة لا تقطف ثمارها إلا بعد عقود من السنين، وكلما كان العمل عظيما كانت ثمرته أبطأ، كما قيل: أبطأ الدلاء فيضا أملؤها. [ ص: 106 ]

          وقد يبدأ جيل عملا تأسيسيا ذا شأن، فلا يستفيد إلا منه الجيل الثاني أو الثالث أو ما بعد ذلك، ولا ضير في هـذا مادام كل شيء يسير في خطه المعلوم وطريقه المرسوم.

          وقد كان المشركون في مكة يسخرون من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قوله: إن العاقبة له ولمن آمن به، وإن العذاب لمن صد عنه. فكانوا يستعجلونه هـذا العذاب الذي خوفهم به، جاهلين أن لكل شيء موعدا لن يخلفه ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ) (العنكبوت:53) ( ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) (الحج:47) .

          ولهذا أمر الله تعالى رسوله الكريم أن يصبر على قومه، كما صبر إخوانه أولو العزم من الرسل من قبل، ولا يستعجل لهم العذاب كما يستعجلون ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ) (الأحقاف:35)

          وضرب له وللمؤمنين معه مثلا بمن خلا قبلهم من أصحاب الرسالات، وكيف صبروا على شدة الابتلاء، وطول الطريق، وصعوبة انتظار النصر ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) (البقرة:214)

          أجل، إن نصر الله قريب، ولكن له موعد وأجل مسمى عند ربنا، ولا يعجل الله بعجلة أحد من خلقه. [ ص: 107 ]

          ومن أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالصبر، ويربيهم عليه، وألا يستعجلوا النصر قبل أوانه.

          ( ولما شكا إليه خباب بن الأرت ما يلقى من شدة الأذى في سبيل الإسلام قائلا: ألا تدعو لنا يا رسول الله؟ ألا تستنصر لنا؟ غضب النبي صلى الله عليه وسلم , وجلس محمرا وجهه وقال: إن من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب، وينشر أحدهم بالمنشار فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليظهرن الله هـذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون!! ) [1]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية