وكذلك ما ذكره هذا الفيلسوف ذكره غير واحد من النظار، وذكروا أنه لكن التقدير [ ص: 369 ] الذي يحتاج إلى نفيه تقدير التعاون، كما ذكر من فعل هذا البعض وهذا البعض، وما ذكره من أن التداول نقص هو موجود في التبعيض، فإن الشريكين قد يتهابان بالمكان وقد يتهابان بالزمان. بتقدير الاتفاق يمتنع أن يكون مفعول أحدهما هو مفعول الآخر، والمفعول الواحد لا يكون مفعولا لفاعلين باتفاق العقلاء.
وهذا التقدير قد أبطلوه بوجوه:
منها: أن هذا نقص في حق كل واحد منهما ينافي الإلهية.
ومنها: أن كلا منهما إن لم يكن قادرا على الاستقلال كان عاجزا، وإن كان قادرا عليه -وهو لا يمكنه مع معاونة الآخر- كان ممنوعا من مقدوره، وهو مثل العجز وأشد. وكذلك إن لم يكن قادرا على خلاف مراد الآخر كان عاجزا، وإن كان قادرا ولم يفعل إلا ما يوافق الآخر، فإن كان الفعل الآخر ممكنا لا مانع له من غيره أمكن تقديره، ويعود دليل التمنع، وإن لم يكن ممكنا، لزم تعجيزه، ومنعه بغيره.
وبالجملة فالدلائل العقلية على هذا متعددة، وإن كان من الناس من يزعم أن دليل ذلك هو السمع، لكن هذا المطلوب الذي أثبتوه هو متفق عليه بين العقلاء.
ومقصود القرآن توحيد الإلهية، وهو مستلزم لما ذكروه من غير عكس.
ولهذا قال تعالى: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [سورة الأنبياء: 22]، فلم يقل: لو كان فيهما إلهان، بل المقدر آلهة غير الإله [ ص: 370 ] المعلوم أنه إله، فإنه لم ينازع أحد في أن الله إله حق، وإنما نازعوا هل يتخذ غيره إلها مع كونه مملوكا له؟.
ولهذا قال: ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم [سورة الروم: 28].
وقال تعالى: والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [سورة الزمر: 3].
وقال: أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون [سورة الزمر: 43-45]، وقد بسط الكلام على هذا في موضعه.
والمقصود هنا ما ذكره هذا.
قال: ويدلك على أن الدليل الذي فهمه المتكلمون من الآية ليس هو الدليل الذي تضمنته الآية: أن المحال الذي أفضى إليه دليلهم، غير المحال الذي أفضى إليه الدليل المذكور في الآية. وذلك أن المحال الذي أفضى إليه الدليل الذي زعموا أنه دليل الآية، هو أكثر من محال واحد، إذ قسموا الأمر إلى ثلاثة أقسام، وليس في الآية تقسيم. فدليلهم الذي [ ص: 371 ] استعملوه هو الذي يعرفه أهل المنطق بالشرطي المنفصل، ويعرفونه هم في صناعتهم بدليل السبر والتقسيم. والدليل الذي هو الآية هو الذي يعرف في صناعة المنطق بالشرطي المتصل، وهو غير المنفصل. ومن نظر فيه أدنى نظر في تلك الصناعة تبين له الفرق بين الدليلين.