الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 86 ] قلت: كون هذه السورة من المحكمات وكون كل مذهب يخالفها باطلا هو حق لا ريب فيه بل هذه السورة تعدل ثلث القرآن كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة وهي صفة الرحمن كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، وعليها اعتمد [ ص: 87 ] الأئمة في تنزيه الله كما ذكره الفضيل بن عياض والإمام أحمد وغيرهم من أئمة الإسلام وهي على نقيض مطلوب [ ص: 88 ] الجهمية أدل منها على مطلوبهم كما قررناه في موضعه، وربما نذكر منه هنا ما ييسره الله.

لكن سائر الآيات المذكورة فيها أسماء الله وصفاته مثل آية الكرسي وأول الحديد وآخر الحشر ونحو ذلك هي كذلك كل ذلك من الآيات المحكمات، لكن هذه السورة ذكر فيها ما لم يذكر في غيرها من اسمه الأحد [ ص: 89 ] الصمد ومثل نفي الأصول والفروع والنظراء جميعا وإلا فاسمه الرحمن أنزله الله لما أنكر المشركون هذا الاسم، فأثبته الله لنفسه ردا عليهم وهذا أبلغ في كونه محكما من هذه السورة؛ إذ الرد على المنكر أبلغ في إثبات نقيض قوله من جواب السائل الذي لم يرد عليه بنفي ولا إثبات، وقد قال: وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا [الفرقان 60] .

وقال تعالى: كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب [الرعد 30] وكذلك قول فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا [غافر 36-37] هذا أبلغ في كون موسى صرح له بأن إلهه فوق السموات حتى قصد تكذيبه بالفعل من الإخبار عن ذلك بلفظ موسى.

وكذلك مسألة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في رؤية الشمس صحوا ليس دونها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر صحوا ليس دونه سحاب؟ فقالوا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤيته كما لا تضارون في [ ص: 90 ] رؤية الشمس والقمر.

وسائر ما في هذا المعنى من الأحاديث الصحيحة الصريحة المتواترة مع ورودها على سؤال السائل وجوابه بهذا التصريح هو من أبلغ ما يكون في إثبات هذه الرؤية وأبعد عن التشابه كما يظنه الرازي وغيره ممن يحرف الرؤية عن حقيقتها اتباعا للمريسي وغيره من الجهمية وإن كان الرازي في [ ص: 91 ] الظاهر مقرا بالرؤية فإن إقراره بها كإقرار المريسي وذويه بألفاظها ثم يحرفون الكلم عن مواضعه.

التالي السابق


الخدمات العلمية