الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال: وحقيقة قول الجهمية أنهم قالوا إن [ ص: 335 ] الله عالم، ولا نقول سميع بصير على غير معنى عالم، وكذلك قول النصارى وقالت الجهمية إن الله عز وجل لا علم له ولا قدرة ولا سمع ولا بصر، وإنما قصدوا إلى تعطيل التوحيد والتكذيب، فقالوا: سميع بصير لفظا، ولم يحصلوا تحت قولهم معنى، ولولا أنهم خافوا السيف لأفصحوا أن الله غير سميع ولا بصير ولا عالم، ولكن خوف السيف منعهم من إظهار كفرهم وكشف زندقتهم، وهذا قول المعتزلة الجهال.

قال: وزعم شيخ منهم مقدم عندهم أن علم الله هو سبحانه وأن الله علم [ ص: 336 ] فنفى العلم من حيث أوهم أنه يثبته، حتى التزم أن يقول: يا علم اغفر لي، إذا كان علم الله هو الله وكان الله على قياسه علما وقدرة، وهو أبو الهذيل تعالى الله عما [ ص: 337 ] يقولون علوا كبيرا.

ومن سألنا فقال: أتقولون إن لله عز وجل وجها؟ قيل له: نقول ذلك خلافا لما قاله المبتدعون، وقد دل على صحة ذلك قوله سبحانه: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن 27].

وإن سألنا فقال: أتقولون إن لله عز وجل يدين؟ قيل له: نعم، نقول ذلك لقوله سبحانه وتعالى : يد الله فوق أيديهم [الفتح 10] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن [ ص: 338 ] الله خلق آدم بيديه وغرس شجرة طوبى بيده، وقال سبحانه وتعالى : بل يداه مبسوطتان [المائدة 64] وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كلتا يديه يمين، وقال سبحانه : لأخذنا منه باليمين [الحاقة 45]، وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا وكذا بيدي، وهو يعني به النعمة، وإذا كان الله سبحانه خاطب العرب بلغتها وما تجده مفهوما في كلامها ومعقولا في خطابها، ولا يجوز أن تقول في خطابها [ ص: 339 ] فعلت بيدي وتعني به النعمة بطل أن يكون معنى قوله بيدي النعمة؛ وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل لي عليه يدان، يعني له عليه نعمتان، ومن دافعنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها ودفع ذلك دفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة؛ إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد نعمة إلا من جهة اللغة، فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يحتج بها وأن لا يقرأ القرآن [ ص: 340 ] ولا يثبت اليد نعمة من قبلها؛ لأنه إن رجع في تفسير قوله بيدي يعني نعمتي إلى الإجماع، فليس المسلمون على ما ادعاه من ذلك متفقين، وإن رجع إلى اللغة أن يقول معنى نعمتي أن يقول القائل بيدي نعمتي، وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد إلى ذلك سبيلا.

التالي السابق


الخدمات العلمية