وأما ونحو ذلك فربما نتكلم عليه إن شاء الله في موضعه؛ فإن طوائف من المتفلسفة يقولون: السموات ليست خفيفة ولا ثقيلة؛ قالوا: لأن الجسم الثقيل هو الذي يتحرك إلى أسفل، وهو الوسط، والخفيف هو الذي يتحرك إلى فوق من الوسط والأفلاك مستديرة لا تتحرك إلى فوق، ولا إلى أسفل؛ فلذلك لم نصفها بثقل ولا خفة كما لم يصفوها بشيء من الطبائع الأربعة، وهذا النزاع قد يكون لفظيا وقد [ ص: 275 ] يكون معنويا إذا اصطلحوا على أنهم لا يسمون خفيفا وثقيلا إلا ما هو كذلك؛ فهو نزاع لفظي، وأما النزاع في كون أجسام السموات يمكن صعودها وانخفاضها لولا أن الله يمسكها بقدرته، كما قال: الكلام في الخفة والثقل إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا [فاطر 41]، وقال: ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره [الروم 25] فهذا نزاع معنوي، وقد ثبت في صحيح من حديث مسلم كريب عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال الذي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، وفي رواية: سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته، جويرية بنت الحارث [ ص: 276 ] أم المؤمنين فالمقصود بالحديث نهاية ما يمكن من الوزن كما ذكره وغاية ما يمكن من المعدود وغاية ما يمكن من القول، والمحبوب هو كلام الرب ورضاه وذكر [ ص: 277 ] عدد خلقه وزنة عرشه . عن
الوجه الثالث: أن يقال هذه المسألة تدل على نقيض مطلوبك فإنه أثبت أن العرش له حملة، وأنه يحمل مع ذلك اليوم ويوم القيامة، وظاهر هذا الخطاب أنه على العرش وأن العرش يحمل مع ذلك سواء دل الخطاب على أن حملة العرش يحملونه أم لم يدل على ذلك؛ فإن دل على ذلك أيضا فقد دل على ما هو أبلغ من نقيض مطلوبه، ثم إذا خالف هو هذه الآية يحتاج إلى تأويلها أو تفويضها، فلا تكون الآيات المثبتة للعرش ولحملته أو لحمل الملائكة لما فوقه تنفي كونه على العرش، هذا تعليق على الدليل ضد موجبه ومقتضاه، ولكن قوله يلزم الافتقار من باب التعارض، فيحتاج إلى الجمع بين موجب الآية وبين هذا الدليل لا تكون [ ص: 278 ] الآية لأجل ما يقال أنه يعارضها تدل على نقيض مدلولها، هذا لا يقوله عاقل .