الوجه الثالث والثلاثون: أن يقال: لا نسلم أنه إذا قيل هذا مباين لهذا وممتاز عنه أو منفرد عنه؛ فإنه لا يراد به إلا أن حقيقته ليست مثل حقيقته بل المراد بذلك أن هذا في ناحية عن هذا وأنه منفصل عنه بحيث يكون حيزه غير حيزه. هذا هو المعروف من هذا. وأما ومن المعلوم أنه إذا قيل إن الله مباين للعالم أو ممتاز عنه ومنفرد عنه لم يرد به أن الله ليس مثل العالم، وهذا كما قيل الاختلاف في الحقيقة فمعناه عدم المماثلة؛ فإن الحقائق إما مختلفة وإما متماثلة، بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه. فهذه المباينة لا يراد بها عدم المماثلة بل يراد بها أنه منفصل عنه، وتصور ذلك بديهي ظاهر. لابن المبارك:
وما يعلم في المواضع التي يستعمل فيها لفظ مباينة الشيء لغيره وامتيازه عنه وانفراده عنه إلا ويكون ذلك مع انفصال أحدهما عن الآخر، حتى إذا ضمن ذلك المفاضلة وعدم المماثلة مثل أن يقال هذا متميز عن هذا بكذا وكذا، وهذا منفرد عن أقرانه بكذا وكذا، ففي هذه المواضع كلها يوجد ودليل ذلك أنه لا يعرف أن يقال اللون منفرد عن الطعم ومباين له، مع أن أحدهما ليس مثل الآخر، فعلم أن المخالفة التي مضمونها عدم المماثلة فهي متضمنة الانفصال . معنى [ ص: 669 ] الانفصال والتمييز بالحيز والجهة،