قلنا: على وجهين: الشيء الذي يقال إنه غير متناه
أحدهما: أنه شيء غير مختص بجهة وحيز، ومتى كان كذلك امتنع أن يكون له طرف ونهاية وحد.
والثاني: أنه مختص بجهة وحيز إلا أنه مع ذلك ليس لذاته مقطع وحد، فنحن إذا قلنا إنه لا نهاية لذات الله تعالى عنينا به التفسير الأول، فإن كان مرادكم ذلك فقد ارتفع [ ص: 683 ] النزاع بيننا، وإن كان مرادكم هذا .
الوجه الثاني: فحينئذ يتوجه عليكم ما ذكرناه من الدليل ولا ينقلب ذلك علينا؛ لأنا لا نقول إنه غير متناه بهذا التفسير حتى يلزمنا ذلك الإلزام؛ فظهر الفرق، وبالله التوفيق.
يقال: هذه الحجة هي من جنس قولهم لو كان فوق العرش لكان إما أن يكون أصغر منه أو بقدره أو أكبر منه ببعد متناه أو غير متناه، وهذه الحجج من حجج الجهمية قديما كما ذكر ذلك الأئمة وذكروا أن وأتباعه هم جهما مثل قولهم: ليس فوق العالم ولا هو داخل العالم ولا خارجه، وليس في مكان دون مكان، وليس بمتحيز ولا جوهر ولا جسم ولا له نهاية ولا حد ونحو هذه العبارات؛ فإن هذه [ ص: 684 ] العبارات جميعها وما يشبهها لا تؤثر عن أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة الدين المعروفين، ولا يروى بها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا توجد في شيء من كتب الله المنزلة من عنده، بل هذه هي من أقوال أول من أحدث في الإسلام هذه الصفات السلبية وإبطال نقيضها؛ الجهمية ومن الكلام الذي اتفق السلف على ذمه لما أحدثه من أحدثه؛ فحيث ورد في كلام السلف ذم الجهمية كان أهل هذه العبارات داخلين في ذلك.