ثم قال: وثنا حدثنا [ ص: 691 ] أحمد بن منيع البغدادي، أبو معاوية عن شيب بن شيبة عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأبيه: يا عمران بن [ ص: 692 ] حصين، حصين، كم تعبد اليوم إلها؟ قال: سبعة؛ ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: فأيهم تعده لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء. [ ص: 693 ] فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الكافر إذ عرف أن إله العالمين في السماء كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم. عن
فحصين الخزاعي في كفره يومئذ كان أعلم بالله الجليل الأجل من وأصحابه مع ما ينتحلون من الإسلام؛ إذ ميز بين الإله الخالق الذي في السماء وبين الآلهة والأصنام المخلوقة التي في الأرض. المريسي
فقد إلا اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في [ ص: 694 ] السماء، وحدوه بذلك الضال وأصحابه، حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم قد عرفوه بذلك إذا حزب الصبي شيء رفع يديه إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواها، فكل أحد بالله وبمكانه أعلم من المريسي الجهمية.
وقدمنا أيضا قوله في ضمن رده على الجهمي المنكر لاستواء الله على العرش، قال: وأعجب من هذا كله قياسك الله بقياس العرش ومقداره ووزنه من صغر أو كبر، وزعمت كالصبيان العميان إن كان الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مثله، فإن كان الله أصغر فقد صيرتم العرش [ ص: 695 ] أعظم منه، وإن كان أكبر من العرش فقد ادعيتم فيه فضلا عن العرش، وإن كان مثله فإنه إذا ضم إلى العرش السموات والأرض كانت أكبر من خرافات تكلم بها وترهات يلعب بها وضلالات يضل بها لو كان من يعمل عليه لله لقطع ثمرة لسانه، والخيبة لقوم هذا فقيههم، والمنظور إليه مع هذا التمييز كله، وهذا النظر وكل هذه الجهالات والضلالات.
فيقال لهذا البقباق النفاخ: إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق، ولم يحتمله العرش عظما ولا قوة ولا حملة العرش احتملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه بشدة أسرهم، ولكنهم حملوه بقدرته ومشيئته وإرادته وتأييده، لولا ذلك ما أطاقوا حمله.
[ ص: 696 ] وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته، ولولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات والأرض ولا من فيهن، ولو قد شاء لاستقل على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته؛ فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات السبع والأرضين السبع؟! ولو كان العرش في السموات والأرضين ما وسعته ولكنه فوق السماء السابعة.