قلت: وممن أنكر الحد أبو الحارث وكان ينكر الحد ثم رجع إلى الإقرار به، وكذلك القاضي أبو يعلى وقال في كتاب (إبطال التأويلات لأخبار الصفات) في كلامه على حديث لفظ الجهة. [ ص: 730 ] والاستواء على العرش: فإذا ثبت أنه على العرش، فالعرش في جهة وهو على العرش، قد منعنا في كتابنا هذا في غير موضع إطلاق الجهة عليه، والصواب جواز القول بذلك؛ لأن العباس بن عبد المطلب قد أثبت هذه الصفة التي هي أحمد وأثبت أنه في السماء، وكل من أثبت هذا أثبت الجهة وهم أصحاب الاستواء على العرش، ابن كرام وابن منده الأصبهاني المحدث.
قال: والدلالة عليه أن العرش في جهة بلا خلاف، وقد ثبت بنص القرآن أنه مستو عليه فاقتضى أنه في جهة، ولأن كل عاقل من مسلم أو كافر إذا دعا، فإنما يرفع يديه ووجهه إلى نحو السماء، وفي هذا كفاية، ولأن من نفى الجهة من المعتزلة والأشعرية يقول: ليس هو في جهة ولا خارجا منها، وقال قائل: هذا بمثابة من قال بإثبات موجود مع وجود غيره، ولا يكون وجود أحدهما قبل وجود الآخر ولا بعده، ولأن [ ص: 731 ] العوام لا يفرقون بين قول القائل طلبته فلم أجده في موضع ما، وبين قوله طلبته فإذا هو معدوم.
قال: وقد احتج على ابن منده بأنه لما نطق القرآن بأن الله تعالى على العرش وأنه في السماء وجاءت السنة بذلك وبأن الجنة مسكنه، وأنه في ذلك وهذه الأشياء أمكنة في نفسها، فدل على أنه في مكان. إثبات الجهة
قال: وإذا ثبت استواؤه ثبت أنه على العرش وأنه في جهة، فهل الاستواء من صفات الذات؟ قياس قول أصحابنا أنه من صفات الذات، وأنه موصوف بها في القدم وإن لم يكن هناك عرش موجود لتحقق وجود ذلك منه في [ ص: 732 ] الثاني؛ لأنهم قد قالوا: خالق ورازق موصوف به فيما لم يزل، ولا مخلوق ولا مرزوق لتحقق الفعل من جهته، وقد تقول العرب: سيف قطوع وخبز مشبع وماء مرو، وإن لم يوجد منه القطع لتحقق الفعل منه. واستدل بعض أصحابنا بأنه موصوف في الأزل بالربوبية ولا مربوب، وبالألوهية ولا مألوه، وعلى قياس هذا النزول إلى السماء والمجيء في ظلل من الغمام، ووضع القدم في النار.
فإن قيل: فقد قال في رواية أحمد حنبل: هو على العرش كيف شاء وكما شاء. وصفات الذات لا تدخل تحت المشيئة، قيل: راجعة إلى خلق العرش لا إلى الاستواء عليه.