قلت: وفي هذا نزاع بين الأصحاب وغيرهم ليس هذا موضعه.
[ ص: 733 ] قال القاضي: وإذا ثبت استواؤه وأنه في جهة وأن ذلك من صفات الذات، فهل يجوز إطلاق الحد عليه؟ قد أطلق القول بذلك في رواية أحمد فقد ذكر له قول المروذي، نعرف الله على العرش بحد؟ فقال ابن المبارك: بلغني ذلك وأعجبه، وقال أحمد: قلت الأثرم: يحكى عن لأحمد: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه بحد؟ فقال ابن المبارك: هكذا هو عندنا. أحمد:
قال القاضي: ورأيت بخط أبي إسحاق، أنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء، سمعت أبا بكر بن أبي داود، سمعت أبي يقول: جاء رجل إلى فقال له: لله تبارك وتعالى حد؟ قال: نعم؛ لا يعلمه إلا هو، قال الله تبارك وتعالى: أحمد بن حنبل، وترى الملائكة حافين من حول العرش [الزمر 75] يقول: محدقين [ ص: 734 ] قال: فقد أطلق أحمد وقد نفاه في رواية القول بإثبات الحد لله، حنبل فقال: نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فقد نفى الحد عنه على الصفة المذكورة، وهو الحد الذي يعلمه خلقه، والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين:
أحدهما: أنه تعالى في جهة مخصوصة، وليس هو تعالى ذاهبا في الجهات، بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات، وهذا معنى قول له حد لا يعلمه إلا هو. أحمد:
والثاني: أنه على صفة يبين بها عن غيره ويتميز؛ ولهذا سمي البواب حدادا؛ لأنه يمنع غيره عن الدخول. فهو تعالى فرد واحد ممتنع عن الاشتراك له في أخص [ ص: 735 ] صفاته، قال: وقد منعنا من إطلاق القول بالحد في غير موضع من كتابنا ويجب أن يجوز على الوجه الذي ذكرنا.
فهو رجوع منه إلى القول بإثبات الحد، لكن اختلف في ذلك كلامه، فقال هنا: ويجب أن يحمل اختلاف كلام في إثبات الحد على اختلاف حالين؛ فالموضع الذي قال إنه على العرش بحد. معناه أن ما حاذى العرش من ذاته فهو حد له وجهة له، والموضع الذي قال هو على العرش بغير حد معناه ما عدا الجهة المحاذية للعرش وهي الفوق والخلف والأمام والميمنة والميسرة. وكان الفرق [ ص: 736 ] بين جهة التحت المحاذية للعرش وبين غيرها ما ذكرنا أن جهة التحت تحاذي العرش بما قد ثبت من الدليل، والعرش محدود؛ فجاز أن يوصف ما حاذاه من الذات وأنه حد وجهة، وليس كذلك فيما عداه؛ لأنه لا يحاذي ما هو محدود، بل هو مار في الميمنة والميسرة والفوق والأمام والخلف إلى غير غاية؛ فلهذا لم يوصف واحد من ذلك بالحد والجهة، وجهة العرش تحاذي ما قابله من جهة الذات ولم تحاذ جميع الذات؛ لأنه لا نهاية لها. أحمد
قلت: هذا الذي ذكره في تفسير كلام ليس بصواب بل كلام أحمد كما قال أولا: حيث نفاه نفي تحديد الحاد له وعلمه بحده، وحيث أثبته أثبته في نفسه، ولفظ الحد يقال على حقيقة المحدود صفة أو قدرا أو مجموعهما، ويقال على العلم والقول الدال على المحدود. أحمد،
[ ص: 737 ] وأما ما ذكره القاضي من إثبات الحد من نهاية العرش فقط، فهذا قد اختلف فيه كلامه، وهو قول طائفة من أهل السنة، والجمهور على خلافه، وهو الصواب.