وأما الوجه الثاني: وهو قولك إن الجانب الذي فرض أنه غير متناه والجانب الآخر إما أن يتساويا في وإما أن لا يكونا كذلك، أما القسم الأول فإنه يقتضي أن يصح على كل واحد من هذين الجانبين ما يصح على الآخر، وذلك يقتضي جواز الفصل والوصل والزيادة والنقصان، فيقال لك: مشاركة الشيء لغيره في حقيقته لا يقتضي مساواته له في المقدار؛ كالمقادير المختلفة من الفضة والذهب وسائر الأجسام المتماثلة في الحقيقة؛ فإنها تتماثل في الحقيقة مع اختلاف المقادير، وحينئذ فهذه الأمور إنما يجوز على بعضها ما يجوز على بعض فيما تماثلت فيه، وهو الصفة والكيفية، وأما ما يتعلق بالمقدار، فليس الكبير في ذلك كالصغير، ولا يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر بل للصغير أحكام لا تصح في الكبير، وللكبير أحكام لا تصح على الصغير؛ مثل شغل الحيز [ ص: 774 ] الذي بقدره وغير ذلك. الحقيقة والماهية
وإذا كان كذلك فالبعد الذي يتناهى من أحد جانبيه دون الآخر، وإنما تماثلت حقيقة الجانبين في الصفة والكيفية، فلم تتماثل في المقدار؛ لأن أحدهما أكبر من الآخر قطبا، فلا يلزم أن يجوز على غير المتناهي من النقص والفصل.
وأيضا فإن لزم أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، فقولك ذلك يقتضي جواز الفصل والوصل والزيادة والنقصان على ذات الله تعالى. هذا هو بعينه الدليل على امتناع كونه متناهيا، وهو أن المتناهي يقبل الزيادة والنقصان، وقد قيل لك أن هذا ممنوع فيما وجوبه بنفسه؛ فإن صفاته تكون لازمة لذاته، فلا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه، كما نقول إن معلوماته أكثر من مقدوراته، ومقدوراته أكثر من مخلوقاته ومراداته، وهذا وإن لم يكن نظير ذلك. والغرض التنبيه على تقدم الكلام في مثل هذا.
وأيضا فلم تذكر دليلا على امتناع الفصل والوصل والزيادة والنقصان، فإن اعتصمت في ذلك بإجماع كانت الحجة سمعية، وإن قنعت بنفور النفوس عن ذلك؛ فنفور النفوس على [ ص: 775 ] قولك أعظم، مع أن هذا ليس حجة عندك.