الباب الثاني عشر في ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا [الإسراء 110] سبب نزول قوله تعالى :
روى سعيد بن منصور والشيخان عن والإمام أحمد ، ابن عباس وابن إسحاق عنه من طريق آخر في الآية قال : وابن جرير بمكة متوار ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به وتفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه ، وكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلوه وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقا منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يستمع ، فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئا ، ولا تجهر بصلاتك بقراءتك فيها فيسب المشركون القرآن ويتفرقوا عنك ، فأنزل الله تعالى : ولا تخافت تسر بها فلا ينتفع بها أصحابك ولا من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك لعله يرعوي إلى بعض ما يستمع فينتفع به وابتغ اقصد بين ذلك بين الجهر والمخافتة سبيلا طريقا وسطا . نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فيما رواه عروة بن الزبير عنه : ابن إسحاق بمكة عبد الله بن مسعود ، اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والله ما سمعت أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش هذا القرآن يجهر لها به قط ، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال : أنا . قالوا : إنا نخشاهم عليك ، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إذا أرادوه . قال : دعوني فإن الله سيمنعني . عبد الله بن مسعود
فغدا حتى أتى ابن مسعود المقام في الضحى وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام ثم قال : بسم الله الرحمن الرحيم : الرحمن علم القرآن ثم استقبلها يقرؤها وتأملوه يقولون : ماذا قال ابن أم عبد ؟ ثم قالوا : إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد . فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ ما شاء الله أن يبلغ ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه فقالوا : هذا الذي خشينا عليك . قال : ما كان أعداء الله تعالى أهون علي منهم الآن ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا . قالوا : لا حسبك ، قد أسمعتهم ما يكرهون .
لأغادينهم : أي آتيهم غدوة بذلك . [ ص: 352 ]