الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثامن في إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي حاتم عن الأجلح قال : كان حمزة بن عبد المطلب رجلا حسن الشعر حسن الهيئة صاحب صيد ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على أبي جهل فولع به أبو جهل وآذاه ، فرجع حمزة من الصيد وامرأتان تمشيان خلفه فقالت إحداهما : لو علم ذا ما صنع أبو جهل بابن أخيه أقصر عن مشيته . فالتفت إليهما فقال : وما ذاك؟ قالت : أبو جهل فعل بمحمد كذا وكذا .

                                                                                                                                                                                                                              فدخلته الحمية فجاء حتى دخل المسجد وفيه أبو جهل فعلا رأسه بقوسه ثم قال : ديني دين محمد ، إن كنتم صادقين فامنعوني . ووثبت إليه قريش فقالوا : يا أبا يعلى . يا أبا يعلى فأنزل الله تعالى : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية إلى قوله : وألزمهم كلمة التقوى [الفتح 26 . ]


                                                                                                                                                                                                                              قال الأجلح : أراد حمزة بن عبد المطلب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق قال : حدثني رجل من أسلم وكان واعية ، والطبراني برجال ثقات ، عن يعقوب عن عتبة بن المغيرة والطبراني برجال ثقات عن محمد بن كعب القرظي رحمهم الله ، أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم .

                                                                                                                                                                                                                              فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له ، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له ، فكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة ، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادي قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم ، وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة ، فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له : يا أبا عمارة : لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام ، وجده هنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد .

                                                                                                                                                                                                                              فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله تعالى به من كرامته ، فخرج يسعى لم يقف على أحد معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به ، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل [ ص: 333 ] نحوه ، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه بها شجة منكرة وقال : أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرد على ذلك إن استطعت .

                                                                                                                                                                                                                              فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق : ثم رجع حمزة إلى بيته فقال : أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك؟ للموت خير لك مما صنعت . وقال : اللهم إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي ، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا . فبات بليلة لم يبت مثلها من وسوسة الشيطان ، حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا ابن أخي إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو أرشد أم هو غي شديد فحدثني حديثا فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدثني .

                                                                                                                                                                                                                              فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ووعظه وخوفه وبشره ، فألقى الله تعالى في قلبه الإيمان بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد إنك لصادق فأظهر يا ابن أخي دينك فوالله ما أحب أن لي ما أظلته السماء وأني على ديني الأول
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وتم حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله .

                                                                                                                                                                                                                              فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عز وامتنع ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه . وقال حمزة حين أسلم :


                                                                                                                                                                                                                              حمدت الله حين هدى فؤادي إلى الإسلام والدين الحنيف     لدين جاء من رب عزيز
                                                                                                                                                                                                                              خبير بالعباد بهم لطيف     إذا تليت رسائله علينا
                                                                                                                                                                                                                              تحدر دمع ذي اللب الحصيف     رسائل جاء أحمد من هداها
                                                                                                                                                                                                                              بآيات مبينة الحروف     وأحمد مصطفى فينا مطاع
                                                                                                                                                                                                                              فلا تغشوه بالقول الضعيف     فلا والله نسلمه لقوم
                                                                                                                                                                                                                              ولما نقض فيهم بالسيوف     ونترك منهم قتلى بقاع
                                                                                                                                                                                                                              عليها الطير كالورد العكوف     وقد خبرت ما صنعت ثقيف
                                                                                                                                                                                                                              به فجزى القبائل من ثقيف     إله الناس شر جزاء قوم
                                                                                                                                                                                                                              ولا أسقاهم صوب الخريف

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية