قال رضي الله عنهما : جابر بن عبد الله . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف ، فيقول : ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي
رواه أبو داود وقال حسن صحيح . والترمذي
قال محمد بن عمر الأسلمي : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين ، يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة ، فلا يجد أحدا ينصره ولا يجيبه حتى إنه سأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة .
ويقول : يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا العرب وتذل لكم العجم وإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة . وأبو لهب وراءه يقول : لا تطيعوه فإنه صابئ كاذب ، فيردون عليه أقبح الرد ويؤذونه ويقولون : قومك بك أعلم .
وقال : ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن إسحاق مكة أي من الطائف وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن به ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم إذا كانت ، على قبائل العرب يدعوهم إلى الله عز وجل ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله عز وجل ما بعثه به .
وروى ابن إسحاق والبيهقي وابنه والإمام أحمد عبد الله برجال ثقات ، عن والطبراني ربيعة بن عباد - بكسر العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة- قال : بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبائل من العرب فيقول : يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد ، وأن تؤمنوا بي وتصدقوني وتمنعوني حتى أبين عن الله عز وجل ما بعثني به . والناس متقصفون عليه ما رأيت أحدا يقول شيئا وهو لا يسكت . .
قال : وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلة عدنية فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه قال ذلك الرجل : يا بني فلان إن هذا الرجل إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم وحلفاءهم من الجن وبني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه . فقلت لأبي : يا [ ص: 452 ] أبت من هذا الرجل الذي يرد عليه ما يقول يتبعه حيث ذهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفر منه؟ قال : هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب أبو لهب . إني لغلام شاب مع أبي
وروى عن الطبراني طارق بن عبد الله قال : بسوق ذي المجاز إذ مر رجل بي عليه حلة من برد أحمر وهو يقول : يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا . ورجل خلفه قد أدمى عرقوبيه وساقيه يقول : يا أيها الناس إنه كذاب فلا تطيعوه . فقلت : من هذا؟ قالوا : غلام بني هاشم الذي يزعم أنه رسول الله وهذا عمه عبد العزى . إني
وروى برجال ثقات من الطبراني مدرك بن [منيب] رضي الله عنه قال : منى إذا نحن بجماعة فقلت لأبي : ما هذه الجماعة؟ قال : هذا الصابئ . وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا . حججت مع أبي فلما نزلنا
وروى في تاريخه البخاري في الكبير واللفظ له عن والطبراني مدرك بن منيب- بضم أوله وكسر النون وآخره موحدة- العامري عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهي جارية وضيئة . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يقول : يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا . فمنهم من تفل في وجهه ومنهم من حثا عليه التراب ، ومنهم من سبه ، حتى انتصف النهار فأقبلت جارية بعس من ماء فغسل وجهه ويديه وقال : يا بنية لا تخشي على أبيك غلبة ولا ذلة . فقلت : من هذه؟ قالوا :
وروى برجال ثقات نحوه عن الطبراني الحارث بن الحارث .
وروى الإمام أحمد عن والبيهقي الأشعث بن سليم عن رجل من كنانة قال : بسوق ذي المجاز وهو يقول : يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا . وإذا رجل خلفه يسفي عليه التراب ، وإذا هو أبو جهل ، وإذا هو يقول : يا أيها الناس لا يغرنكم هذا عن دينكم فإنما يريد أن تتركوا عبادة اللات والعزى يتبعه حيث ذهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفر منه ، وما يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الحافظ عماد الدين بن كثير : المحفوظ : أبو لهب . وقد يكون أبو جهل وهما ، ويحتمل أن يكون ذا تارة وذا تارة ، وأنهما يتناوبان على أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت : وهذا هو الظاهر .
وذكر ابن إسحاق كندة وكلب وبني عامر بن صعصعة وبني حنيفة . قال : ولم يكن أحد من عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على العرب أقبح ردا عليه منهم . [ ص: 453 ]
زاد الواقدي : وعلى بني عبس وغسان وبني محارب وبني فزارة وبني مرة وبني سليم وبني نصر بن هوازن وبني ثعلبة بن عكابة - بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة- وبني الحارث بن كعب وبني عذرة وقيس بن الخطيم . وساق أخبارهم .
وروى محمد بن عمر الأسلمي عن عامر بن سلمة الحنفي وكان قد أسلم في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : نسأل الله أن لا يحرمنا الجنة ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا ثلاثة أعوام بعكاظ ومجنة وبذي المجاز ، يدعونا إلى الله- عز وجل- وأن نمنع له ظهره حتى يبلغ رسالات ربه ، ويشرط لنا الجنة ، فما استجبنا له ولا رددنا عليه ردا جميلا فخشنا عليه وحلم عنا . قال عامر : فرجعت إلى هجر في أول عام فقال لي هودة بن علي : هل كان في موسمكم هذا خبر؟ .
قلت : رجل من قريش يطوف على القبائل يدعوهم إلى الله تعالى وحده وأن يمنعوا ظهره حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة . فقال هودة : من أي قريش هو؟ قلت : هو من أوسطهم نسبا من بني عبد المطلب . قال هودة : أهو محمد بن عبد المطلب ؟ قلت : هو هو . قال : أما إن أمره سيظهر على ما ها هنا . فقلت : هنا قط من بين البلدان؟ قال : وغير ما ها هنا . ثم وافيت السنة الثانية هجر فقال : ما فعل الرجل؟ فقلت : والله رأيته على حاله في العام الماضي . قال : ثم وافيت في السنة الثالثة وهي آخر ما رأيته وإذا بأمره قد أمر وإذا ذكره كثر في الناس . الحديث .
وروى الحاكم والبيهقي وأبو نعيم وقاسم بن ثابت عن رضي الله عنه قال : علي لما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه . فذكر الحديث إلى أن قال : ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار ، فتقدم فسلم فقال : من القوم؟ قالوا : من أبو بكر شيبان بن ثعلبة . فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : بأبي وأمي هؤلاء غرر الناس وفيهم أبو بكر مفروق بن عمرو وهانئ وابن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك ، وكان مفروق قد غلبهم لسانا وجمالا وكانت له غديرتان تسقطان على تربيته ، وكان أدنى القوم مجلسا من فقال أبي بكر : كيف العدد فيكم؟ فقال أبو بكر مفروق : إنا لا نزيد على الألف ولن تغلب ألف من قلة .
فقال : وكيف المنعة فيكم؟ فقال أبو بكر مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى ، وأشد ما نكون لقاء حين نغضب ، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد ، والسلاح على اللقاح ، والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا أخرى ، لعلك أخا قريش ؟ فقال : إن كان بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فها هو ذا . فقال أبو بكر مفروق إلام تدعونا يا أخا قريش ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأني عبد الله ورسوله ، وإلى أن تؤووني وتنصروني فإن قريشا قد تظاهرت على الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد . [ ص: 454 ]
فقال مفروق وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش ؟ فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا .
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون [الأنعام 151] .
فقال مفروق : دعوت- والله- إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك .
ثم رد الأمر إلى هانئ بن قبيصة فقال : وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا .
فقال هانئ : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني أرى تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا لا أول له ولا آخر لذل في الرأي وقلة نظر في العاقبة ، إن الزلة مع العجلة وإنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقدا ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر .
ثم كأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة فقال : وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا .
فقال المثنى - وأسلم بعد ذلك- قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك وإنا نزلنا بين صريين : أحدهما اليمامة والآخر السمامة .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذان الصريان؟ قال : أنهار كسرى ومياه العرب ، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول ، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول ، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكرهه الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق . وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه ، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتستحبون الله تعالى وتقدسونه؟
فقال النعمان : اللهم فلك ذاك .
فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا [الأحزاب 45] . [ ص: 455 ] ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه عن أبيه ، عن وأبو نعيم عبد الرحمن العامري عن أشياخ من قومه قالوا : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بعكاظ فقال : من القوم؟ قلنا : من بني عامر بن صعصعة بنو كعب بن ربيعة ؟ فقال : إني رسول الله إليكم وأتيتكم لتمنعوني حتى أبلغ رسالة ربي ولا أكره أحدا منكم على شيء .
قالوا : لا نؤمن بك وسنمنعك حتى تبلغ رسالات ربك .
فأتاهم بيحرة بن فراس القشيري فقال : من هذا الرجل الذي أراه عندكم أنكره؟ قالوا : هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب . قال : فما لكم وله؟ قالوا : زعم أنه رسول الله فطلب إلينا أن نمنعه حتى يبلغ رسالة ربه . قال : ما رددتم عليه؟ قالوا : بالرحب والسعة نخرجك إلى بلادنا ونمنعك مما نمنع منه أنفسنا . فقال بيحرة : ما أعلم أحدا من أهل هذه السوق يرجع بشيء أشر من شيء ترجعون به! أتعمدون إلى رهيق قوم طردوه وكذبوه فتؤووه وتنصروه تنابذوا العرب عن قوس واحدة ، قومه أعلم به فبئس الرأي رأيكم . ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قم فالحق بقومك فوالله لولا أنك عند قومي لضربت عنقك .
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناقته ليركبها فغمز الخبيث بيحرة شاكلتها فقمصت برسول الله صلى الله عليه وسلم فألقته . وعند بني عامر يومئذ ضباعة بنت عامر بن حوط كانت من النسوة اللاتي أسلمن بمكة جاءت زائرة إلى بني عمها فقالت : يا لعامر ولا عامر لي ، أيصنع هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم ولا يمنعه أحد منكم؟
فقام ثلاثة نفر من بني عمها إلى بيحرة واثنين أعاناه فأخذ كل رجل منهم رجلا فجلد به الأرض ، ثم جلس على صدره ثم علوا وجوههم لطما .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم بارك على هؤلاء والعن هؤلاء . فأسلم الثلاثة الذين نصروه وقتلوا شهداء ، وهم غطيف وغطفان ابنا سهل وعروة أو عزرة بن عبد الله ، وهلك الآخرون .
فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم موسمهم ، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك في الموسم ، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم فقالوا : جاءنا فتى من قريش ثم أحد بني عبد المطلب يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا فوضع الشيخ يده على رأسه ، [ ص: 456 ] ثم قال : يا بني عامر هل لها من تلاف هل لذنا بها من مطلب! والذي نفسي بيده ما تقولها إسماعيلي قط كاذبا وإنه لحق ، فأين رأيكم كان عنكم .
وروى عن أبو نعيم عن أبيه عن جده خالد بن سعيد بكر بن وائل قدم مكة في الحج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ايتهم واعرض عليهم . فأتاهم فعرض عليهم . فقالوا : حتى يجيء شيخنا لأبي بكر حارثة . فلما جاء قال : إن بيننا وبين الفرس حربا فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم عدنا فنظرنا فيما تقول فلما التقوا بذي قارهم والفرس قال لهم شيخهم : ما اسم الرجل الذي دعاكم إلى ما دعاكم إليه؟ قالوا : محمد . قال : فهو شعاركم . فنصروا على الفرس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بي نصروا . أن
وروى محمد بن عمر الأسلمي عن جهم بن أبي جهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على بني عامر يدعوهم إلى الله تعالى ، فقام رجل منهم فقال له : عجبا لك والله قد أعياك قومك ثم أعياك أحياء العرب كلها حتى تأتينا وتتردد علينا مرة بعد مرة؟ والله لأجعلنك حديثا لأهل الموسم . ونهض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جالسا فكسر الله ساق الخبيث ، فجعل يصيح من رجله وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى عن أبو نعيم عبد الله بن وابصة العبسي عن أبيه عن جده قال : جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فدعانا فاستجبنا له ، وكان معنا ميسرة بن مسروق العبسي فقال لنا : أحلف بالله لو صدقنا هذا الرجل وحملناه حتى نحل به وسط رحالنا لكان الرأي ، فأحلف بالله ليظهرن أمره حتى يبلغ كل مبلغ فأبى القوم وانصرفوا . فقال لهم ميسرة : ميلوا بنا إلى فدك فإن بها يهود نسألهم عن هذا الرجل .
. فمالوا إلى يهود فأخرجوا سفرهم فوضعوه ثم درسوا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي العربي يركب الحمار ويجتزئ بالكسرة ، وليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالجعد ولا بالسبط في عينيه حمرة مشرب اللون . قالوا : فإن كان هو الذي دعاكم فأجيبوه وادخلوا في دينه فإنا نحسده ولا نتبعه ولنا منه في مواطن بلاء عظيم ، ولا يبقى أحد من العرب إلا اتبعه أو قتله . فقال ميسرة : يا قوم إن هذا الأمر بين فأسلم ميسرة .
وروى عن أبو نعيم ابن رومان وعبد الله بن أبي بكر وغيرهما قالوا : جاء النبي صلى الله عليه وسلم كندة في منازلهم فعرض نفسه عليهم فأبوا . فقال أصغر القوم : يا قوم اسبقوا إلى هذا الرجل قبل أن تسبقوا إليه ، فوالله إن أهل الكتاب ليحدثونا أن نبيا يخرج من الحرم قد أظل زمانه فأبوا .
وروى عن البيهقي عن أشياخ من قومه قالوا : قدم عاصم بن عمر بن قتادة سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا ، وكان سويد إنما يسميه قومه الكامل لجلده وشعره وشرفه ونسبه ، وهو الذي يقول :
ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى مقالته بالغيب ساءك ما يفري [ ص: 457 ] مقالته كالشهد ما كان شاهدا
وبالغيب مأثور على ثغرة النحر يسرك باديه وتحت أديمه
تميمة غش تبتري عقب الظهر تبين لك العينان ما هو كاتم
من الغل والبغضاء بالنظر الشزر فرشني بخير طال ما قد بريتني
وخير الموالي من يريش ولا يبري
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعرضها علي . فعرضها عليه . فقال : هذا كلام حسن والذي معي أفضل من هذا : قرآن أنزله الله تعالى هو هدى ونور . فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه القرآن ودعاه إلى الإيمان فلم يبعد منه وقال : إن هذا القول حسن .
ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتلته الخزرج ، فإن كان رجال قومه ليقولون : إنا لنراه قد قتل وهو مسلم .
وكان قتله قبل بعاث .