الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إن لم يصم الثلاثة الأيام في الحج ، ولا السبعة الأيام حين رجع حتى استقر ببلده واستوطن ، فعليه صيام عشرة أيام ، وهو مأمور أن يفرق بين صيام الثلاثة ، وبين صيام السبعة ، وفي وجوب التفرقة بينهما وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن التفرقة بينهما غير واجبة ، لأن وجوب التفرقة بينهما كان في الأداء بجهة الزمان ، وما كان مستحقا في الأداء بجهة الزمان بطل استحقاقه في القضاء لفوات الزمان ، [ ص: 58 ] كما أن تتابع رمضان مستحق في الأداء لتتابع الزمان ، غير مستحق في القضاء لفوات الزمان ، فعلى هذا إن تابع صيام الثلاثة وصيام السبعة أجزأه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو ظاهر مذهب الشافعي ، أن التفرقة بينهما واجبة ، لأن وجوب التفرقة بينهما كان في الأداء من جهة الفعل لا من جهة الزمان لأنه قال : فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم [ البقرة : 195 ] ، فجعل السبعة بعد الرجوع ، والرجوع فعل لأنه إما أن يراد به الرجوع عن الحج ، أو الرجوع إلى الوطن ، وما كان مستحقا في الأداء من جهة الفعل ، لم يبطل استحقاقه في القضاء ، وإن مضى ذلك الفعل ، كما أن تتابع صوم الظهار ، ومستحق من جهة الفعل ، فلم يبطل استحقاق تتابعه بمضي ذلك الفعل ، فعلى هذا في قدر التفرقة بينهما وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي سعيد الإصطخري ، يفرق بينهما بأقل ما تكون به التفرقة ، وذلك يوم واحد : لأن التفرقة في الصوم ضد المتابعة ، فلما بطلت المتابعة بإفطار يوم ثبتت التفرقة بإفطار يوم واحد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وكثير من أصحابنا ، أن قدر التفرقة في القضاء معتبر بحاله في الأداء : لأنه لما وجبت الفرقة في القضاء لثبوتها في الأداء ، وجب أن يكون قدر التفرقة في القضاء قدر ما يقع عليه اسم التفرقة ولا يعتبر في القضاء قدر ما يقع عليه اسم التفرقة ، كما لم يعتبر في الأداء قدر ما يقع عليه اسم التفرقة ، فعلى هذا الأداء أصلان ، في كل أصل منهما قولان :

                                                                                                                                            أحد الأصلين جواز صيام الثلاثة في أيام التشريق وفي ذلك قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم يجوز .

                                                                                                                                            والثاني : وهو الجديد لا يجوز .

                                                                                                                                            والأصل الثاني : صيام السبعة هل يجوز إذا فرغ من حجه ؟ أو إذا رجع إلى بلده ؟ في ذلك قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في الإملاء : إذا رجع من حجه .

                                                                                                                                            والثاني : وهو قوله في الجديد ، إذا رجع إلى بلده ، فإذا ثبت هذان الأصلان ، كان قدر التفرقة مبنيا عليهما ، فتكون فيهما أربعة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : يفرق بينهما بيوم ، إذا قيل : إنه يجوز أن يصوم الثلاثة في أيام منى ، ويصوم السبعة إذا فرغ من حجه ، ليقع بهذا اليوم التفرقة بين الصومين .

                                                                                                                                            [ ص: 59 ] والقول الثاني : يفرق بينهما بأربعة أيام ، إذا قيل : إن صيام منى لا يجوز وإن صيام السبعة بعد فراغه من الحج ، فتكون التفرقة بيوم النحر ، وأيام منى الثلاثة .

                                                                                                                                            والقول الثالث : يفرق بينهما بيوم ، وقدر مسافة الطريق ، إذا قيل إن صيام أيام منى يجوز ، وصيام السبعة بعد الرجوع إلى الوطن .

                                                                                                                                            والقول الرابع : يفرق بينهما بالأربعة أيام وقدر مسافة الطريق إذا قيل الذي لا يصوم أيام منى ، ولا يصوم السبعة إلا بعد رجوعه إلى بلده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية