الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " مفردا كان أو قارنا فجزاء واحد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : كل ما وجب بالإحرام من جزاء الصيد أو كفارة أذى أو غير ذلك من سائر الدماء فهو في الحج والعمرة والقران سواء ، فإن قتل القارن صيدا فعليه جزاء واحد وإن حلق أو تطيب فعليه دم واحد ، وقال أبو حنيفة : محظورات الإحرام تتضاعف على القارن ، فإذا قتل القارن صيدا فعليه جزاءان ، وإن حلق أو تطيب فعليه دمان ؛ استدلالا بأنه قال : لأنه أدخل نقضا على نسكين ، فوجب أن يفتدي بجزاءين وكفارتين كما لو كان النسكان مفردين ، قال : ولأن محظورات الإحرام توجب الكفارة ، وقد توجب القضاء ، فلما كان ما يوجب القضاء وهو الوطء إذا أودعه في القران مخالفا لما أوقعه في الإفراد ولزمه كفارتان .

                                                                                                                                            وتحرير ذلك قياسا : أنه أحد موجبي فعله المحظور في إحرامه ، فوجب أن موجب القران أغلظ مما أوجبه في الإفراد كالقضاء ، والدلالة عليه : قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] ، واسم الإحرام يقع على القارن والمفرد ثم علق الله تعالى عليه جزاء واحدا فوجب أن لا يجب عليه سواه : ولقوله صلى الله عليه وسلم : في الضبع إذا أصابه المحرم كبشا ، فعم بالحكم كل محرم ولم يفرق بين مفرد أو قارن ، ولإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - وهو أنهم أوجبوا على المحرم في النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش بقرة ، وفي الضبع كبشا ، ولم يفرقوا [ ص: 320 ] بين مفرد أو قارن : ولأنهما حرمتان يجب بهتك كل واحدة منهما على الإفراد جزاء واحد ، فوجب إذا جمعهما أن يجب بهتكهما جزاء واحد ، كالمحرم إذا قتل صيدا في الحرم : ولأنه صيد واحد فوجب أن لا يجب بقتله إلا جزاء واحد ، كالمفرد ؛ لأنه نقص يجب على المفرد به دم واحد ، فوجب أن يجب على القارن به دم واحد كترك الميقات ، وأما قياسهم على قتل الصيد في نسكين مفردين فالمعنى فيه : أنه وجب عليه جزاءان : لأنه قتل الصيدين ؟ فلذلك وجب عليه جزاءان ، ولو قتلهما في نسك واحد لوجب عليه جزاءان ، وليس كذلك القارن : لأنه قتل صيدا واحدا فوجب أن يلزمه جزاء واحد كالمفرد ، وأما قياسهم على القضاء فمنتقض بترك الميقات ، ثم المعنى في القضاء : أنه معتبر بالأداء ، فلما كان مؤديا لنسكين فوجب أن يكون قاضيا لنسكين ، والجزاء معتبر بالصيد ، فلما كان الصيد واحدا وجب أن يكون الجزاء واحدا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية