فصل : فإذا ثبت جواز الإحرام الموقوف ، فهو جائز في شهور الحج في الزمان الذي يكون مخيرا فيه من نسكي الحج والعمرة ، ليصرف إحرامه الموقوف إلى ما يشاء من حج أو عمرة ، فأما في غير شهور الحج فلا يصح الإحرام الموقوف ، لأنه زمان لا يصلح لغير العمرة ، فلم يجز أن يكون الإحرام موقوفا على غير العمرة ، ويصير الإحرام الموقوف منعقدا بالعمرة ، وإذا صح ، فقد اختلف أصحابنا ، هل الأولى أن يكون إحرامه موقوفا ، ليصرفه فيما بعد إلى ما شاء من حج أو عمرة ؟ أو يكون معينا بنسك من حج أو عمرة ؟ على مذهبين : الإحرام الموقوف في شهر الحج
أحدهما : أن الموقوف أولى ، لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولأنه أحرى أن يقدر على صرفه إلى ما يخاف فوته في حج أو عمرة ، لأنه إن كان الوقت واسعا ، أمكنه تقديم العمرة وإدراك الحج وإن كان ضيقا قدم الحج : لأن لا يفوته ثم أحرم بالعمرة .
المذهب الثاني : أن أولى ، وقد نص عليه الإحرام المعين الشافعي في الجامع الكبير ، لرواية جابر بن عبد الله قال : بالمدينة لسبع سنين لم يحج ثم أذن في الناس بالحج فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلقنا لا نعرف إلا الحج له خرجنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ينزل عليه القرآن وهو يفعل ما أمر به ، فقدمنا مكة ، فلما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت ، والصفا ، والمروة قال : من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة ، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة . فدل على أن إحرامهم كان معنيا بالحج ، ولأنه إذا عينه بحج أو عمرة كان ماضيا في نسكه وإن لم يعينه كان منتظرا له ، والداخل في نسكه أولى من المنتظر له ، فلو نوى إحراما موقوفا لزمه أن يصرفه إلى حج أو عمرة ، فلو طاف وسعى قبل أن يصرفه إلى حج أو عمرة ، لم يجزه عن حج ولا عمرة ، لأنه لم يكن داخلا في أحدهما . أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم