الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويرفع صوته بالتلبية لقول النبي صلى الله [ ص: 88 ] عليه وسلم " أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما التلبية ، فقد اختلف أهل العلم فيما هي مأخوذة منه على خمسة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أنها مأخوذة من قولهم ، ألب فلان بالمكان ولب إذا أقام فيه ، ومعنى لبيك ، أي أنا مقيم عند طاعتك ، ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                            محل الفخر أنت به ملب ما ما تزول ولا تريم

                                                                                                                                            وقال آخر :


                                                                                                                                            لب بأرض ما تخطاها الغنم

                                                                                                                                            وهذا قول الخليل وثعلب .

                                                                                                                                            والثاني : أنها مأخوذة من الإجابة ، ومعناها : إجابتي لك ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :


                                                                                                                                            لبيكما لبيكما هأنا ذا لديكما

                                                                                                                                            وهذا قول الفراء .

                                                                                                                                            والثالث : أنها مأخوذة من اللب ، واللباب الذي يكون خالص الشيء ، ومعناها : الإخلاص أي أخلصت لك الطاعة .

                                                                                                                                            والرابع : أنها مأخوذة من لب العقل ، من قولهم : رجل لبيت ، ويكون معناها : أي منصرف إليك وقلبي مقبل عليك .

                                                                                                                                            والخامس : أنها مأخوذة من المحبة ، من قولهم : امرأة لبة ، إذا كانت لولدها محبة ، ويكون معناها : محبتي لك ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                            وكنتم كأم لبة ظعن ابنها     إليها فما درت عليه بساعد

                                                                                                                                            والتلبية سنة في الحج والعمرة ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الحجاج والعمار وفد الله ، والذي نفس أبي القاسم بيده ، ما أهل [ ص: 89 ] مهل ، ولا كبر مكبر على شرف من الأشراف إلا أهل ما بين يديه وكبر تكبيره حتى ينقطع بهم منقطع التراب " . وروى خلاد بن السائب عن زيد بن خالد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن جبريل أتاني الآن فقال : قل لبيك اللهم لبيك ، فإنه من شعار الحج " وحكي عن أبي علي بن خيران وأبي علي بن أبي هريرة أن التلبية في أثناء الحج والعمرة واجبة وزعما أنهما وجدا للشافعي نصا يدل عليه ، وليس يعرف للشافعي في كتبه نص يدل عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية