فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من تحديد الموقف وزمان الوقوف ، والقدر الذي يحصل به إدراك الوقوف ، فيختار أن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة في وقوفه خير المجالس ما استقبل به القبلة . واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في وقوفه ، ويجوز أن يقف راكبا ونازلا ، ووقوفه راكبا أفضل ، نص عليه الشافعي في القديم : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف راكبا ؛ ولأنه إذا ركب كان أقوى له على الدعاء ، ويكون مفطرا لهذا المعنى ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطرا ، ويكثر من الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم : عرفة أفضل الدعاء دعاء يوم ويكون من دعائه ما رواه عبد الله بن عبيدة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أكثر دعائه عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، اللهم اجعل في سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي قلبي نورا ، اللهم اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر ، ومن سيئات الأمور ، ومن عذاب القبر ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار ، ومن شر ما تهب به الرياح ، وشر بوائق الدهر " ويستحب أن يكثر من قراءة سورة الحشر ، فقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه ، ويجتهد في الدعاء ؛ لأنه ، وروى أعظم الأيام التي ترجى فيها الإجابة ابن المسيب عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عددا من النار من يوم عرفة . ويختار للواقف بعرفة أن يبرز للشمس ، ويظهر نفسه لها ، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى يوم عرفة رجلا يطلب الفيافي ، فقال صلى الله عليه وسلم : أضح لمن أحرمت له أي اخرج إلى الشمس ؛ لأن الشمس [ ص: 174 ] تسمى الضحى ، واختلف الناس لما سميت عرفة ، فقال قوم لتعارف آدم وحواء فيه ، وذلك أن الله تعالى أهبط آدم بأرض الهند ، وحواء بأرض جدة فتعارفا بالموقف ، وقيل : لأن جبريل صلى الله عليه وسلم عرف فيه إبراهيم صلوات الله عليه مناسكه .
وقيل : سميت بذلك للجبال التي فيها ، ووقوف الناس عليها ، والجبال هي الأعراف ومنه قوله تعالى : وعلى الأعراف رجال [ الأعراف : 46 ] .
قيل : سور بين الجنة والنار ، ومنه قيل عرف الديك ، وعرف الدابة لنتوه وعلوه ، وكل نات فهو عرف ، وقال القاسم بن محمد : سميت عرفات ؛ لأن الناس يعترفون فيها بذنوبهم ، فحينئذ يغفر لهم .