فصل : فإذا ثبت أن ترتيب ذلك سنة ، فخالف الترتيب فأخر مقدما ، أو قدم مؤخرا ، نظر فإن قدم الطواف على الرمي والنحر والحلاق أجزأه ، ولا دم عليه ، وإن قدم الحلق على النحر أجزأه أيضا ولا دم عليه .
وقال أبو حنيفة : لا يجزئه وعليه دم : لقوله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [ البقرة : 196 ] ، ودليلنا رواية عبد الله بن عمرو بن العاص بمنى ليسأله الناس ، فأتاه رجل فقال : يا رسول الله حلقت قبل أن ذبحت ، فقال : اذبح ولا [ ص: 187 ] حرج ، وأتاه آخر وقال : ذبحت قبل أن رميت ، فقال : ارم ولا حرج ، قال عبد الله بن عمرو : ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال : " افعل ولا حرج عليك " ولأنه ذبح يجوز أن يتعقبه الحلق ، فجاز أن يتقدمه الحلق قياسا على دم الطيب واللباس ، فأما قوله تعالى : أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [ البقرة : 196 ] ، فمحمول على الاستحباب ، وقد قال بعض الناس : إن المراد بالمحل الحرم دون الإحرام ؛ لقوله تعالى : ثم محلها إلى البيت العتيق [ الحج : 33 ] ، فأما إن قدم الحلق على الرمي : فإن قيل : إن الحلق نسك يتحلل به أجزأه ولا دم عليه . وإن قيل : إنه إباحة بعد حظر فعلى وجهين :
أحدهما : وهو مذهب البغداديين : عليه الفدية : لحلقه قبل يوم النحر .
الثاني : وهو مذهب أكثر البصريين : لا فدية عليه : لما قدمنا من حديث عبد الله بن عمرو ، ولما روي عن ابن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله إني أخرت الرمي حتى جن الليل ، فقال : ارم لا حرج ، فبين بذلك جواز تقديم الحلق على الرمي .