فصل : وأما الحكم الثاني وهو وجوب القضاء : فهو عندنا واجب .
وقال مالك في أحد رواياته : القضاء غير واجب ، وبه قال عطاء .
والدلالة عليهما ما ذكرناه من إجماع الصحابة ، وأمرهم بالقضاء ؛ ولأن المانع من إجزاء الحج شيئان : فوات وفساد ، فلما كان الفساد موجبا للقضاء وجب أن يكون الفوات موجبا للقضاء ، وتحرير ذلك قياسا أنه أحد ما يعم الإجزاء فوجب أن يوجب القضاء كالفساد ، فإذا ثبت أن القضاء عليه واجب فعليه قضاء الحج لا غير .
وقال أبو حنيفة : عليه أن يقضي حجة وعمرة ، والدلالة عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم أنهم أمروا بقضاء الحج ولم يأمروا بقضاء العمرة ؛ ولأن القضاء إنما يجب فيما اشتمل عليه إحرام الأداء ، فلما كان في الأداء محرما بالحج دون العمرة وجب أن يلزمه قضاء الحج دون العمرة ، استشهادا بسائر الأصول ؛ ولأن حكم الفساد أغلظ من حكم الفوات ، فإذا لم [ ص: 239 ] يلزمه بالفساد إلا قضاء ما أفسد من الحج ، وجب أن لا يلزمه بالفوات إلا قضاء ما فات من الحج ، وإذا ثبت أن قضاء الحج وحده واجب عليه فهل يجب على الفور في عامه المقبل ، أم على التراخي ؟ على وجهين :
أحدهما : على التراخي دون الفور كأصل الحج .
والوجه الثاني : على الفور في عامه المقبل من غير تأخير وهو الصحيح ؛ لأنه إجماع الصحابة : لأنهم قالوا : وليحج من قابل ، فلو فاته الوقوف في القضاء كان كفواته في الأول .