فصل : فإذا ثبت أن الإحرام لدخولها واجب ، فلا يخلو حاله عند دخولها من أحد أمرين : إما أن يدخل في شهور الحج أو في غير شهور الحج ، فإن كان بالخيار بين أن يدخلها محرما بحج أو عمرة ، فإن دخل في شهور الحج كان بالخيار بين أن يصرفه إلى حج أو عمرة ، أحرم لدخولها إحراما موقوفا ، صرف إحرامه إلى عمرة ، ولم يجز صرف إحرامه إلى الحج ؛ لأن غير شهور الحج لا يصح الإحرام فيه بالحج ، وإن أحرم بالحج كان عمرة ، وتحلل بالطواف والسعي والحلاق ، فلا أحرم لدخولها في غير أشهر الحج إحراما موقوفا ودخلها محرما ، ولم يصرف إحرامه إلى العمرة حتى دخلت شهور الحج فأراد أن يصرف إحرامه إلى الحج لم يجز ؛ لأن الإحرام من غير أشهر الحج لا يقع موقوفا : لأن اتفاق الإحرام إنما يصح إذا جاز أن يتردد بين أن يصرف إلى حج أو عمرة ، وإحرامه في غير أشهر [ ص: 242 ] الحج لا ينصرف إلى الحج ، وإنما ينصرف إلى عمرة ولو أحرم بالحج لم يكن حجا وكان عمرة ، فكذا إذا أحرم موقوفا لم يكن موقوفا وكان عمرة . وإن دخل في غير شهور الحج
فصل : فإن مكة غير محرم بنسك فقد أساء على القول الأول ، وعصى على القول الثاني ، ولا قضاء عليه على القولين معا . دخل
وقال أبو حنيفة : عليه القضاء إلا أن يكون مكيا فلا يلزمه القضاء : لأنه لما كان الإحرام بأحد النسكين واجبا صار أحد النسكين بدخول مكة واجبا ، ومن وجب عليه نسك من حج أو عمرة فلم يأت به فعليه قضاؤه ، كحجة الإسلام والنذر .
والدلالة عليه أنه دخل مكة بغير نسك ، فوجب أن لا يلزمه قضاء نسك كالمكي ؛ ولأنه لو كان مكيا لم يلزمه القضاء فوجب ، وإن كان غير مكي أن لا يلزمه القضاء كالحطابين والسقايين ؛ ولأن القضاء غير ممكن ؛ لأنه إذا أراد الدخول ثانية للقضاء تعلق الإحرام بالدخول الثاني كتعلقه بالدخول الأول ، فلم يخلص له حالة يصح فيها القضاء إلا ومتعلق بها فعل الإحرام فامتنع القضاء ، فأما اعتبارهم ذلك بحجة الإسلام فغير صحيح من وجهين :
أحدهما : أنه حجة الإسلام لا تقضى ؛ لأنه في أي الزمان فعلها كان مؤديا ولم يكن قاضيا .
والثاني : أنه وإن وجب القضاء بالفساد والفوات ، قضاؤه ممكن : لأن زمان القضاء لا يتعلق به ما يوجب القضاء ، وقضاء الدخول يتعلق به ما يتعلق بابتداء الدخول فلم يصح القضاء ، فإذا ثبت أن لا قضاء عليه فلا كفارة عليه : لأن الكفارة إنما تجب جبرانا لنقص دخل على نسك ، فإذا لم يأت بالنسك لم يلزمه جبران ما عدم أصله ، والله أعلم بالصواب .