الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما الخاطئ في قتله وهو : أن يقتله خطأ مع ذكره لإحرامه أو نسيانه لإحرامه فسواء ، والجزاء عليه واجب ، وقال داود بن علي الظاهري : لا جزاء عليه ، وهو في الصحابة ، قول ابن عباس ، وفي التابعين قول سعيد بن جبير استدلالا بقوله : ومن قتله منكم متعمدا فجزاء [ المائدة : 95 ] ، فشرط العمد فيه إيجاب الجزاء يدل على أن الخاطئ ليس عليه جزاء ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فوجب بحق الظاهر أن يرتفع حكمه ولأن كل فعل يجب على المحرم بعمده الكفارة لم يجب عليه بخطئه الكفارة كـ " الطيب واللباس " والدلالة عليه قوله تعالى : ومن قتله منكم متعمدا فجزاء [ ص: 284 ] [ المائدة : 95 ] ، فاحتمل أن يكون المراد به متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه ، واحتمل أن يكون متعمدا لقتله ذاكرا لإحرامه ، فإذا احتمل الأمرين يحمل عليهما : لأن ظاهر العموم يتناولها ، وداود يخرج من العموم أحدهما ، وروى مخارق عن طارق بن شهاب قال : خرجنا مهلين بالحج فرحنا عشية فبدا لنا ضب فابتدرناه ونسينا إهلالنا في الحج فانصدر إليه رجل منا يقال له أربد فقتله فقلنا ما صنعتم ! ألسنا محرمين ؟ ! فلما قدمنا مكة صار أربد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له ، فقال له عمر احكم فقال : فأنت أمير المؤمنين وأعلم مني قال : إني لم أقل لك أن تزكيني ولكن احكم ، قال : فإني أحكم جديا قد جمع الماء والشجر ، يقول قد أكل وشرب ، قال : فهو كما حكمت . فموضع الدلالة من هذا استفاضة حكم الجزاء في العمد والخطأ بين الصحابة ، والتابعين من غير شك ، أو نزاع ، فدل على أن ذلك إجماع ، أو كالإجماع ، ولأنها نفس مضمونة بالتكفير عمدا فوجب أن تكون مضمونة بالتكفير خطأ كالآدمي : ولأن كل شيء يجب الغرم بإتلافه فالعمد والخطأ فيه سواء كأموال الآدميين .

                                                                                                                                            فأما استدلالهم بالآية فقد جعلناها دليلا عليه ، وأما استدلالهم بالخبر فمحمول على رفع الإثم ، وأما قياسهم على الطيب واللباس فالمعنى في الطيب واللباس أنه استمتاع فافترق حكم عمده وسهوه ، وقتل الصيد إتلاف فاستوى حكم عمده وسهوه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية