الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يفدي إلا من النعم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ؛ لقوله تعالى : فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] ، فعلق المثل بالنعم فانتفى عما سوى النعم ، والنعم : الإبل والبقر والغنم ، وهي التي تذبح في الأضاحي ، قال الله تعالى : أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم [ المائدة : 1 ] قال الشافعي : فلم أعلم مخالفا أنه غير الإبل والبقر والغنم والضأن ، وهي الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى فيها : ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين [ الأنعام : 143 ] ، ثم قال تعالى : ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين [ الأنعام : 144 ] ، فهي بهيمة الأنعام ، فإذا أجزأ الصيد بالمثل من النعم لم يجز أن يدفعه حيا إلى الفقراء حتى ينحره في الحرم ، سواء أصاب الصيد في حل أو حرم ؛ لقوله تعالى : هديا بالغ الكعبة : فإن دفعه إليهم حيا لم يجزه : لأنه متعبد بالجزاء من النعم وإراقة دمه في الحرم ، فإذا فعل أحدهما لم يجزه ، ثم ينظر فإن أعلم الفقراء أن ما دفعه إليهم هو جزاء الصيد فله استرجاعه من أيديهم ، فإذا استرجعه ونحره كان مخيرا بين دفعه إليهم أو إلى غيرهم ، ولا يلزمه بالدفع الأول أن يرده عليهم بعد النحر : لأنه لم يقع موقع الإجزاء فلم يكن له حكم ، وإن لم يعلمهم أنه هدي فليس له استرجاعه إلا أن يصدقوه والقول فيه قولهم مع أيمانهم : لأن ظاهر دفعه إليهم يوجب تمليكهم ، فإذا ذبح الجزاء في الحرم فرق لحمه طارئا على فقراء الحرم ، وليس بما يعطى كل فقير منهم قدر محدود بالشرع ، وأقل ما يجزئه أن تفرقه على ثلاثة إن كان قادرا عليهم أو على من قدر عليه منهم ، ولو كان واحدا فلو دفعه إلى اثنين مع قدرته على الثالث كان ضامنا لذلك : لأنه دفع واجبا عليه إلى غير مستحقه ، وفي قدر ضمانه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يضمن الثلاثة مساواة بين جميعهم فيه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يضمن منه أقل ما يجزئ أن يعطي أحدهم من غير تقدير بالثلث : لأن المساواة بينهم في التفرقة لا تلزم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية