فصل : فأما على وجهين : صيد الحل إذا صاده محل ثم أحرم فهل يزول ملكه عن الصيد بإحرامه أم لا ؟
أحدهما : أن ملكه لا يزول عنه ، ولا يضمنه إلا بالجناية عليه ، وبه قال في " الإملاء " ؛ لأن الإحرام عبادة ، فوجب أن لا يزيل الملك كسائر العبادات ، ولأنه ملك لمحل ، فوجب أن لا يزول ملكه عنه بالإحرام كسائر الأموال .
والقول الثاني : أن ملكه قد زال عنه بإحرامه ، وإن تلف فعليه ضمانه ، ووجهه : أنه صيد يلزمه الجزاء بقتله ، فلم يصح أن يكون في ملكه قياسا على ابتداء صيده في إحرامه : ولأن كل شيء لا يراد للبقاء ، فإذا منع الإحرام من ابتدائه منع من استدامته ، كاللباس طردا والنكاح عكسا ، فإذا تقرر توجيه القولين فإذا قلنا بالقول الأول وأن ملكه لا يزول عنه بإحرامه فحكمه حكم سائر أمواله إلا في شيء واحد وهو أنه لا يجوز ذبحه ، فإن ذبحه فعليه الجزاء ، وما سوى ذلك ففعله جائز فيه ، فيجوز أن يبيعه ويهبه ، ولا يلزمه تخليته ، وإن قتله غيره كان عليه قيمته ، وإن أرسله كان أحق به من غيره ، وإذا حل من إحرامه جاز أن يذبحه ولا جزاء عليه ، وإن مات إحلاله فلا شيء عليه ، وإن قلنا بالقول الثاني : أن ملكه قد زال عنه بإحرامه فحكمه حكم ما صاده من إحرامه ، فلا يكون مالكا له وعليه تخليته ، ولا يجوز له بيعه ولا هبته ، فإن وهبه لغيره كان ضامنا له حتى يرسله الموهوب له ، وإن أرسله من يده فهو وغيره فيه سواء ، وإن اغتصبه غيره من يده فأرسله فلا شيء على مرسله ، وإن مات في يده فعليه جزاؤه ، وإن قتله غيره نظر في القاتل فإن كان محلا فالجزاء على المحرم : لأنه ضمنه باليد ، وإن كان القاتل محرما فعلى وجهين كما قلنا في : الممسك والقاتل إذا كانا محرمين
أحد الوجهين : أن الجزاء عليهما نصفين : لأن الممسك ضامن بيده ، والقاتل ضامن بفعله .
[ ص: 318 ] والوجه الثاني : أن الجزاء كله على القاتل : لأنه مباشر ، فأما إن حل من إحرامه والصيد في يده ، فعلى هذا القول عليه إرساله ، فإن قتله بعد إحلاله فمنصوص الشافعي : أن عليه الجزاء : لأنه قد كان ضامنا له باليد .
وفيه وجه آخر لبعض أصحابنا : أنه لا جزاء عليه : لأنه محل قاتل لصيد في الحل وعلى هذا الوجه لا يلزمه أن يرسله لو لم يقتله ، وهذا ليس بصحيح ، لأن الجزاء لم يجب عليه بفعله ، وإنما وجب عليه بيده .