الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا وجد طريقا يسلكها إلى الحرم غير الطريق التي أحصر فيها ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون له في هذا الطريق عذر مانع ، وذلك قد يكون من أحد وجوه :

                                                                                                                                            إما أن يخاف على نفسه من قلة ماء أو مرعى ، أو يخاف على ماله من لص غالب ، أو يخاف على نفسه من عدو قاهر ، أو يضطر فيه إلى ركوب بحر ، أو يحتاج فيه إلى زيادة نفقة وهو لها عادم ، فهذه كلها أعذار لا يلزمه معها سلوك الطريق الآخر ، ويكون حكمه حكم من ليس له طريق إلا الطريق التي أحصر فيها ، فيجوز له التحلل على ما مضى .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا يكون له عذر مانع من سلوك هذا الطريق ، فعليه أن يسلكه ، ولا يجوز له التحلل سواء كان إدراك الحج بسلوكه ممكنا أم لا ، فإن سلكه ووصل إلى مكة ، فإن أدرك الحج أجزأه عن حجة الإسلام ، وإن لم يدرك الحج ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون إدراك الحج ممكنا حين سلكه : لأنه مسافة عشرة أيام ، وبينه وبين يوم عرفة عشرة أيام ، فهذا يلزمه قضاء الحج بالفوات : لأن فوات الحج مع إمكان الإدراك لم يكن بالإحصار ، ولا للإحصار فيه تأثير : فلذلك لزم فيه القضاء ، وعليه مع القضاء دم الفوات .

                                                                                                                                            [ ص: 348 ] والضرب الثاني : أن يكون إدراك الحج حين سلكه غير ممكن : لأن الباقي إلى يوم عرفة خمسة أيام ، والمسافة عشرة أيام ، ففي وجوب القضاء قولان منصوصان :

                                                                                                                                            أحدهما : عليه القضاء بالفوات كما لو فاته الوقوف بأن ضل عن الطريق ، أو أخطأ في العدد ، فعلى هذا عليه دم الفوات ، ولا يكون للإحصار تأثير .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو أصح : لا قضاء عليه : لأن الفوات لم يكن بتفريط منه ، وإنما كان بسبب الإحصار ، فكان حكم الإحصار باقيا عليه ، فعلى هذا ؛ الدم عليه واجب للإحصار دون الفوات ، فهذا حكم المحصر إذا وجد طريقا يسلكها غير الطريق الذي أحصر فيها ، وقد مضى الكلام في الإحصار إذا كان عاما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية