الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 349 ] فصل : فأما المحصر في الحرم فعلى ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يصد عن الوقوف بعرفة ، وعن الطواف بالبيت ، فحكم هذا حكم المحصر في الحل ، فيجوز أن يتحلل من إحرامه بالهدي والحلق ، فلا قضاء عليه ، وقال مالك : المحصر في الحرم لا يجوز أن يتحلل إلا أن يفوته الحج ، فإذا فاته خرج إلى الحل ، وأهل بعمرة ، وكان باقيا على إحرامه حتى يزول إحصاره ، والدلالة على جواز إحلاله عموم قوله تعالى : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي [ البقرة : 196 ] ، ولم يفرق بين أن يكون الإحصار في حل أو حرم ، فوجب أن يكون حكمهما سواء : ولأنه ممنوع من إكمال نسكه بغير حق ، فجاز له الإحلال قياسا على المحصر في الحل .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يصد عن الطواف بالبيت دون الوقوف بعرفة ، فله إذا وقف بعرفة أن يتحلل من إحرامه قبل الطواف بالبيت ، وقال أبو حنيفة : ليس له أن يتحلل ، ويقيم على إحرامه حتى يطوف بالبيت ، ويسعى ، ودليلنا : عموم قوله تعالى : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي [ البقرة : 196 ] : ولأنه إحرام تام ، فجاز له التحلل منه قياسا على ما قبل الوقوف بعرفة ، ولأنه لما جاز أن يتحلل بالإحصار من جميع الأركان ، كان تحلله من بعضها أولى ، فإذا أحل بالهدي والحلق ، فلا قضاء عليه .

                                                                                                                                            فإن قيل : أفيجب عليه أن يقف بعرفة قبل إحلاله ؟ .

                                                                                                                                            قيل : يجب عليه الوقوف بها : لأنه ركن من أركان إحرامه ، فإذا قدر عليه لم يسقط عنه بالعجز عن غيره ، كالمصلي إذا عجز عن ستر العورة لم يسقط عنه فرض القيام .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : أن يصد عن الوقوف بعرفة دون الطواف بالبيت ، فله أن يتحلل من إحرامه بالطواف والسعي : لأنه لما جاز أن يتحلل عن جميع الأركان كان إحلاله من بعضها أولى ، وعليه دم الإحصار ، وهل عليه القضاء أم لا ؟ على قولين منصوصين كالذي أحصر في طريق وله طريق غيرها ، فسلكها ففاته الوقوف فأحل بالطواف والسعي :

                                                                                                                                            أحد القولين : لا قضاء عليه : لأنه لما كان المحصر عن جميع الأركان لا يلزمه القضاء فالمحصر عن بعضها أولى أن لا يلزمه القضاء .

                                                                                                                                            والقول الثاني : عليه القضاء : لأنه غير مصدود عن البيت فصار كالغائب . فإن قيل : ما الفرق بين أن يكون مصدودا عن الطواف بالبيت دون الوقوف بعرفة فلا يلزمه القضاء إذا أحل قولا واحدا وبين أن يكون مصدودا عن الوقوف بعرفة دون الطواف بالبيت فيلزمه القضاء إذا أحل على أحد القولين ؟ .

                                                                                                                                            قيل : لأن فوات الوقوف بعرفة قد يوجب القضاء ، وليس للطواف وقت يفوت فيوجب القضاء ، فكان الصد عن الوقوف أغلظ حكما ؟ فلذلك افترقا . فهذا حكم الإحصار في الحل والحرم ، وما يتعلق عليه من فروعه وأحكامه .

                                                                                                                                            [ ص: 350 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية