الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            وإن كان القتل موجبا للقود ، فهل يستحق القود بالقسامة ويشاط بها الدم ، أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وبه قال في القديم ، وهو مذهب مالك ، وأحمد بن حنبل ، وبه قال عبد الله بن الزبير وحكم به في أيامه : أن القود بها ثابت ، ودليله حديث يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي حثمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار : يحلف خمسون منكم على رجل منهم ، فيدفع برمته . يعني للقود .

                                                                                                                                            وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل بالقسامة رجلا من بني نضر بن مالك ، ولأن ما ثبت به القتل تعلقت عليه أحكامه كالبينة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قوله في الجديد .

                                                                                                                                            وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو مذهب أبي حنيفة : أنه لا قود في القسامة ، وتجب بها الدية . ودليله ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود خيبر في قصة الأنصار : " إما أن تدوا صاحبكم أو تؤذنوا بحرب " ، فدل على وجوب الدية دون القود .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد كتب إليهم قبل القسامة ، وقبل وجوب القود . قيل : إنما كتب بذلك بيانا للحكم المستحق بالقسامة ، وإلا فمعلوم أن الدية لا تجب قبل القسامة كما لم يجب القود ، ولأن أيمان المدعي هي غلبة ظن فصار شبهة في القود ، والقود يسقط بالشبهة ، [ ص: 15 ] ولأن الحكم بالقسامة للاحتياط في حق الدماء ، فكان مقتضى هذا المعنى وجوب الدية وسقط القود .

                                                                                                                                            فإذا تقرر توجيه القولين ، فإن قيل بالأول في إشاطة الدم ووجوب القود ، فإن كانت القسامة في الدعوى على واحد ، قتل قودا . وإن كانت على جماعة ، فقد اختلف القائلون بهذا القول في عدد من يقتل . فالظاهر من مذهب الشافعي على هذا القول : أنه تقتل الجماعة وإن كثروا ، إذا أمكن أن يشتركوا : لأن القسامة في استحقاق القود تجري مجرى البينة .

                                                                                                                                            وقال مالك : لا أقتل به أكثر من اثنين . وحكاه أبو ثور عن الشافعي في القديم .

                                                                                                                                            وحكى الربيع بن سليمان قولا لنفسه : أنه لا يقتل به أكثر من واحد . وبه قال أبو العباس بن سريج حقنا للدماء ، ولضعف القسامة عن البينة .

                                                                                                                                            وقال أبو العباس : وأجعل للولي بعد أيمانه الخيار في قتل أي الجماعة شاء ، فإذا قتل أحدهم أخذ من الباقي أقساطهم من الدية .

                                                                                                                                            وإن قيل بالقول الثاني - وهو الجديد - : أن القود ساقط في الواحد والجماعة ، فالدية المستحقة بالقسامة وتكون مغلظة ، حالة في مال المدعى عليه ، إن تفرد بها واحد غرم جميعها ، وإن كانوا جماعة تقسطت على أعدادهم بالسوية . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية