الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا ثبت وجود الكفارة على كل قاتل بغير حق من عمد أو خطأ في كل مقتول من مسلم أو كافر ، حر أو عبد ، فقد نص الله تعالى فيها على العتق والصيام ، فقال : وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين [ النساء : 92 ] ، فقدم عتق الرقبة ، وشرط فيها الإيمان ، فلا يجزئ إلا عتق رقبة مؤمنة ، سواء كان المقتول مؤمنا أو كافرا : لأنه شرط إيمانها في عتقها عن قتل الكافر ، فكان إيمانها في عتقها عن قتل المؤمن أولى . فإن لم يجد الرقبة فاضلة عن كفايته على الأبد ، سقط عنه التكفير بالعتق ، وكفر بصيام شهرين متتابعين ، وهو نص القرآن . فإن عجز عن الصيام ففيه قولان : [ ص: 69 ] أحدهما : يعدل إلى الإطعام فيطعم ستين مسكينا : لأن الله تعالى نص عليه من كفارة الظهار ، وأطلق ذكره في كفارة القتل ، فوجب أن يحمل إطلاقه في كفارة القتل على تقيده في كفارة الظهار : لأن المطلق محمول على المقيد من جنسه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه لا إطعام فيها ، وتكون الكفارة بأحد الأمرين باقية في ذمته إلى أن يقدر عليها : لأن الإبدال في الكفارات موقوفة على النص دون القياس ، ولا يجوز حمل مطلقها على المقيد إلا في الوصف دون الأصل ، كما حمل إطلاق اليد في التيمم على تقيدها بالمرافق في الوضوء : لأنه حمل مطلق على مقيد في وصف ، ولم يحمل إغفال ذكر الرأس والرجلين في التيمم على ما قيد من ذكرهما في الوضوء : لأنه حمل مطلق على مقيد في أصل . كذلك في الكفارة حملنا إطلاق العتق في كفارة الظهار على تقيده بالأيمان من كفارة القتل ؛ لأنه حمل مطلق على مقيد في وصف . ولم يحمل إغفال الإطعام في كفارة القتل على ذكره في كفارة الظهار : لأنه حمل مطلق على مقيد في أصل ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية