الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا تقرر ما ذكرنا ، فصورة مسألتنا في شاهدين شهدا على رجلين أنهما قتلا زيدا ، وشهد الرجلان المشهود عليهما أن الشاهدين الأولين هما اللذان قتلا زيدا ، فللولي حالتان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تصح منه الدعوى .

                                                                                                                                            والثاني : أن لا تصح منه ، فإن صحت منه الدعوى لبلوغه وعقله ، سأله الحاكم عما يدعيه من القتل على من يعينه من الأربعة ، وهو في ذلك على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يدعيه على الآخرين اللذين شهد عليهما الأولان ، فتكون شهادة الأولين عليهما ماضية ، ويحكم للولي على الآخرين بالقتل : لسلامة الأولين عند شهادتهما ، وتهمة الآخرين في الشهادة بالدفع عن أنفسهما ، وهل يلزم الحاكم أن يستعيد الشهادة منهما بعد الدعوى أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يستعيدها ، ويحكم بما تقدم من شهادتهما : لأنه لا يستعيد بها زيادة علم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يلزمه استعادتهما ، ولا يجوز له أن يحكم بما تقدم منها : لأنه لا يجوز أن يكون الحكم سابقا للدعوى . [ ص: 77 ] والقسم الثاني : أن يدعي الولي قتله على الأولين دون الآخرين ، فشهادتهما على الأولين باطلة : لأنهما قد صارا عدوين لهما ، ومتهمين في شهادتهما .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يدعي قتله على جماعتهم ، فتبطل الشهادتان : لإكذابه لهما ، وإقراره بفسقهما ، وإن كان الولي ممن لا تصح منه الدعوى لصغره ، أو جنونه ، فقد اختلف أصحابنا ، هل يقضي الحاكم بموجب الشهادة أو يوقفها على بلوغ الولي وعقله ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي يقضي بموجب الشهادة ، ويقضي على الآخرين بالقتل بشهادة الأولين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يقف الشهادة ، ولا يبت الحكم فيها حتى يبلغ ، ويفيق المجنون ، ثم يرجع إليه في الدعوى ويعمل على ما بينه وادعاه من الأقسام الثلاثة : لتردد الشهادة بين إيجاب وإسقاط ، فلم يحكم بأحدهما مع احتمالهما . فأما إذا اتفقت شهادة بعض ولم تتقدم إحداهما على الأخرى ، فكلتا الشهادتين باطلة ، لا يحكم بواحدة منهما ، ولا يرجع فيهما إلى دعوى الولي : لتعارض الشهادتين في التدافع بهما ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية