قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا لم يؤثر ما تأولوه في سقوط الحقوق عنهم ، وإقامة الحدود عليهم . فقد كان قل أهل البغي ولم ينفردوا بدار ، ونالتهم القدرة ، ولم يمنعوا عن أنفسهم بكثرة وقوة عبد الرحمن بن ملجم من أسوأ البغاة معتقدا ، وأعظمهم إجراما ، قال - وعلي كرم الله وجهه يخطب على المنبر بالكوفة - : والله لأريحنهم منك . فأخذه الناس وحملوه إليه ، وقالوا : اقتله قبل أن يقتلك ، فقال : كيف أقتله قبل أن يقتلني ؟ وخلى سبيله ، فبات له في المسجد ، فخرج علي عليه السلام لصلاة الفجر مغلسا .
وقيل : إنه أنشد بالاتفاق قول الشاعر : [ ص: 113 ]
اشدد حيازيمك للموت فإن الموت آتيك ولا تجزع من الموت
إذا حل بواديك
فقال علي : فزت ورب الكعبة .
وأخذ ابن ملجم فحمل إليه ، وقيل له : اقتله قبل أن يقتلك .
فقال : كيف أقتله قبل أن يقتلني ؟ إن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت ، وإن شئت استقدت ، وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا ، وأن تعفوا أقرب للتقوى .
وكان في شهر رمضان ، فلما جاء وقت الإفطار ، قال : أطعموه وأحسنوا إساره ، وكان أول من قدم إليه الطعام في داره ابن ملجم .
فلما مات قتله الحسن بن علي قودا .
قال الشافعي : وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أنكر قتله ولا عابه أحد .
فدل على فرق ما بين الامتناع والقدرة .
ولأن سقوط القود في الامتناع والكثرة إنما هو للحاجة إلى تألفهم في الرجوع إلى الطاعة ، والمنفرد مقهور لا يحتاج إلى تألفه ، فلذلك وقع الفرق بين الممتنع وغير الممتنع .