فصل :
فإذا ثبت ، فحدهما الجلد . واختلف الناس فيه : فمذهب سقوط الرجم عن العبد والأمة الشافعي ، وأبي حنيفة ومالك : أنهما يحدان نصف حد الزنا خمسين جلدة .
وقال عبد الله بن عباس : إن تزوجا فعلى كل واحد منهما نصف الجلد ، وإن لم يتزوجا فلا حد عليهما .
وقال داود : على العبد جميع الحد تزوج أو لم يتزوج .
وأما الأمة فإن تزوجت فعليها نصف الحد ، وإن لم تتزوج فعنه روايتان :
إحداهما : عليها حد كامل .
[ ص: 243 ] والثانية : لا حد عليها : لأنه حمل قوله تعالى : فإذا أحصن [ النساء : 25 ] ، أي تزوجن فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] وأمسك عن ذكرهن إذا لم يتزوجن ، فاحتمل أن يكمل عليها الحد ، واحتمل أن لا يجب عليها حد فلذلك ما اختلفت الرواية عنه .
ودليلنا على وجوب نصف الحد على العبد والأمة فيمن تزوج أو لم يتزوج - قول الله - تعالى - : فإذا أحصن فيه قراءتان :
إحداهما : بالضم ، ومعناه تزوجن ، قاله ابن عباس .
والثانية : بالفتح ، ومعناه أسلمن ، قاله ابن مسعود .
فإن أتين بفاحشة يعني الزنا فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب يعني نصف حد الحرة ، فذكر إحصانهن في تنصيف الحد لينبه بأن تنصيفه في غير الإحصان أولى ، وإن لم يكن مع ثبوت الرق إحصان .
وروى الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد الجهني ، . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقال : إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم بيعوها ولو بضفير
قال الزهري : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة ، والضفير : الحبل .
وروى الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد ولائد أبكارا من ولائد الإمارة في الزنا ، ولأن حد الزنا موضوع على المفاضلة : لأن الحر مفضل فيه على العبد ، والثيب مفضل فيه على البكر ، وقال تعالى : يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين [ الأحزاب : 30 ] ، لفضلهن على من سواهن ، فلم يجز من نقص العبد أن يساوي الحر في حده ، ولم يجز إسقاط حده : لئلا تضاع حدود الله تعالى فوجب تنصيفها في الأحوال كلها . ويقال لداود لما وجب على الأمة نصف الجلد ولم يكن لتنصيفه سبب سوى الرق ، وجب أن يتنصف في العبد لأجل الرق وهذا من فحوى الخطاب .
فإذا ثبت أن حدها على النصف فهو خمسون جلدة ، واختلف قول الشافعي في وجوب التغريب فيه على قولين :
[ ص: 244 ] أحدهما : وبه قال مالك وأحمد بن حنبل : لا تغريب فيه : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ولم يأمر بتغريبها : لأن التغريب موضوع للحوق المعرة وإدخال المشقة ، ولا معرة فيه على العبد والأمة ، ولا مشقة تلحقها في الغربة : لأنهما مع العبد أرفه . إذا زنت الأمة فاجلدوها
والقول الثاني : أن واجب : لقوله تعالى : التغريب فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] ، فكان على عمومه .
وروى نافع ، عن ابن عمر أن أمة له زنت ، فجلدها ونفاها إلى فدك . ولأن كل من جلد في الزنا غرب كالحر ، ولأنه حد يتبعض فوجب أن يستحق في العبد والأمة كالجلد ، وفيه وجه ثالث لبعض أصحابنا : أنه إن تولى الإمام جلدها غربها ، وإن تولاه السيد لم يغربها ، وفرق ما بينهما من وجهين :
أحدهما : نفوذ أمر الإمام في جميع البلاد دون السيد .
والثاني : لاتساع بيت المال لنفقة التغريب دون السيد . فإذا قيل بوجوب التغريب ، ففي قدره قولان :
أحدهما : أنه تغريب عام كالحر ، قاله في القديم : لأن ما قدر بالحول استوى فيه الحر والعبد كالحول في أجل العنة .
والقول الثاني : أنه تغريب نصف عام ، قاله في الجديد ، وهو معنى قوله هاهنا : " أستخير الله في نفيه نصف سنة " وإنما كان كذلك : لأنه حد يتبعض فوجب أن يكون على النصف من الحر كالجلد ، وخالف أجل العنة : لأنه مضروب لظهور عيب يعلم بتغيير الفصول الأربعة ، فيستوي فيه الحر ، وخالفه في مدة التغريب .