الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فيقال: هذه الطريقة تفيد أن ذلك موجود في الشرع. ويستدل على [ ص: 39 ] ذلك بقوله: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [سورة النحل: 89].

وقوله: ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء [سورة يوسف: 111].

وقوله: اليوم أكملت لكم دينكم [سورة المائدة: 3]، ونحو ذلك مما فيه الاستدلال بذلك أجود من الاستدلال بقوله: ما فرطنا في الكتاب من شيء ؛ لأن الكتاب هنا في أشهر القولين -هو اللوح المحفوظ، كما يدل عليه السياق في قوله: وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء . [سورة الأنعام: 38]

وإذا كان الشيء موجودا في الشرع، فذلك يحصل بأن يكون في القرآن الدلالة على الطرق العقلية والتنبيه عليها والبيان لها والإرشاد إليها. والقرآن ملآن من ذلك، فتكون شرعية بمعنى أن الشرع هدى إليها، عقلية بمعنى أنه يعرف صحتها بالعقل، فقد جمعت وصفي الكمال.

وأيضا فإذا كان الشرع قد دل على شيء أو أوجبه، وقدر أن في العقل ما يوافق ذلك، لم يضر ذلك، وإن كان قد يستغنى عنه، فلا يطعن في صحته للاستغناء عنه.

وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يطالب الناس بالنظر والاستدلال، فهذا دليل قاطع على أن الواجب متأدى بدون الطرق التي أحدثها الناس وأبدعها. [ ص: 40 ]

وأما الوجه الأول وهو قوله: (إن النبوة إذا ثبتت بقيام المعجز، علم أن هناك مرسلا أرسله، لكون ثبوت الرسالة يستلزم ثبوت المرسل) فهذا لا بد فيه من تقدير. وهذا الكلام الذي قاله من أن العلم بالرسول يتضمن العلم بالمرسل، كلام صحيح. فإن العلم بالإضافة يستلزم العلم بالمضاف والمضاف إليه. لكن المعترض يقول له: المعجزة لا تدل على الرسالة إلا بعد العلم بإثبات الصانع، ثم يعلم بعد ذلك صدق الرسول، إما لكون المعجز يجري مجرى التصديق، والعلم بذلك ضروري في العادة. وإما لكون المعجز لو لم يدل على الصدق للزم عجز الرب عن طريق يصدق به الرسول، وإما لكون تصديق الكذاب قبيحا، هو منزه عن فعل القبيح، ونحو ذلك من الطرق التي سلكها من سلكها من أهل النظر القائلين بأن صدق الرسول لا يعرف إلا بالمعجزة.

والطريقان الأولان هما طريقا الأشعري وأصحابه ومن وافقهم، كالقاضي أبي يعلى وأمثاله. والثاني هو طريق المعتزلة ومن وافقهم، كأبي الخطاب وأمثاله.

التالي السابق


الخدمات العلمية