الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم نقول إن كان التسلسل في الشروط جائزا بطل هذا السؤال؛ لجواز تسلسل الشروط، وإن كان ممتنعا، بطل أيضا؛ لوجوب كون جنس الحوادث مسبوقا بالعدم.

والثالث: أن يقال: أتعني بقولك: ذاته كافية: أنها مستلزمة لوجود اللازم في الأزل، أم هي كافية فيه وإن تأخر وجوده؟ فإن عنيت الأول انتقض عليك بالمفعولات الحادثة، فإنه يلزمك إما قدمها وإما افتقاره إلى سبب منفصل، إذا كان ما لا تكفي فيه الذات مفتقرا إلى سبب منفصل.

وإن عنيت الثاني كان حجة عليك إذا كان ما تكفي فيه الذات يمكن تأخره.

الرابع: أن يقال: قولك: يفتقر إلى سبب منفصل: أتعني به سببا يكون من فعل الله، أو سببا لا يكون من فعله؟

أما الأول فلا يلزم افتقاره إلى غيره، فإنه إذا كان هو فاعل الأسباب، وفاعلها يحدث بها، فهو فاعل الجميع وليس مفتقرا في فعل إلى غيره، إلا أن يعنى به أنه لا يحصل أحد فعليه إلا بشرط فعله الآخر. وهذا ليس فيه [ ص: 220 ] افتقار إلى غيره. ومن سمى هذا افتقارا إلى غيره، فهو بمنزلة من قال: إنه يفتقر إلى صفته.

وقد ذكر غير مرة أن هذا بمنزلة قول القائل: إنه مفتقر إلى نفسه. وهذا إذا أطلق لا ينافي ما وجب له من الغنى بل هذا الغنى الذي لا يتصور غيره.

وإن عنيت بالسبب ما لا يكون من فعله، لزمك أن كل ما لا تكفي الذات فيه، ولا هو لازم لها في الأزل لا يوجد إلا بشريك مع الله ليس من مفعولاته. وهذا مع أنه باطل بالإجماع الذي توافقون عليه أهل الملل، فبطلانه معلوم بصريح العقل، كما تقدم بيان بطلانه.

الخامس: أن يقال ما تعني بقولك: ذاته كافية في ذلك؟ أتعني به بالذات المجردة عن فعل يقوم بها؟ أم تعني به الذات الموصوفة بقيام الفعل بها؟ وأيهما عنيت بطل قولك.

فإن عنيت الأول لزم أن تكون الذات المجردة عن الفعل القائم بها تفعل أمورا مختلفة متعاقبة، مع أن حالها مع فعل الشيء هو حالها مع فعل خلافه، ومع أن حالها بالنسبة إلى وجود المفعول وعدمه سواء، وهذا باطل.

ثم يقال: إن جاز أن يكون هذا صحيحا، جاز أن يكون حالها قبل الفعل وحين الفعل سواء. فيمكن قول القائل بأن الحوادث لها أول، وإن [ ص: 221 ] لم يجز أن يكون صحيحا بطل قولهم بأن الحوادث تصدر بواسطة أو بغير واسطة عن ذات لم يقم بها فعل.

وإن عنيت الثاني، فالذات الموصوفة بقيام الفعل بها، إذا قيل: هي كافية في المفعولات لم يلزم قدم المفعولات؛ لأنها مشروطة بالفعل، ولا يلزم من ذلك افتقارها إلى غيرها؛ لأن فعلها الذي هو شرط في المفعولات من لوازم ذاتها، كما أن صفاتها من لوازم ذاتها. لكن قد يكون اللازم نوعا، كالفعل المتعاقب، وقد يكون عينا كالحياة التي لم تزل ولا تزال.

وهذه الحجة هي التي يعتمد عليها أولوهم وآخروهم، لكن يصرفون ألفاظها ومعانيها.

التالي السابق


الخدمات العلمية