الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله: فإنه إن كان معقول هذا العقل غيره، فإما أن يكون شيئا واحدا دائما، وإما أن يكون علمه بما يعلمه واحدا بعد آخر -فجوابه أنه يعقل ذاته ويعقل غيره، فيعقل الدائمات دائما، ويعقل المتجددات عقلا قديما دائما، من حيث قدمها النوعي والمادي، والذي من جهة العلل الفاعلية والغائية، فتعقلها في تغيرها، على وفق تغيرها.

ولا يكون ذلك التغير فيه، بل فيها، وهو يعقلها كلها على ما هي عليه، كما نعقل نحن بعضها فنعلم عينها وأنها ستكون، ومساوقتها وأنها [ ص: 433 ] كائنة، ومعدومها بعد كونه، وأنه كان لا يضيق وسعه عن ذلك، ولا يتغير به، ولا ينتقص، ولا يكمل، بل هو له كما يشاء، وعلى وفق قدرته وإرادته في خلقه، لا يمتنع ذلك بحجة، لا من جهة التعجيز؛ لأنه مردود بدليل الخلق.

فقدرته على الخلق دليل قدرته على العلم؛ إذ هو خالق الكل، والخلق أكبر في القدرة من العلم.

وإذا لم يصح التعجيز في الخلق، فهو بأن لا يصح في العلم أولى وأحرى، وكيف وأكثرهم يقولون: إن علم الله هو قدرته، وقدرته وسعت كل شيء خلقا، فلا عجب أن يسع كل شيء علما؟ ولا بدليل التنزيه، فإنه لا تعره ولا تضره معرفته بشيء من خلقه، ولا ضد له فيه ولا مباين، وليس به كماله، بل هو بكماله على ما قيل.

هذا، مع أن في الجواب مساعدة ما، وإلا فلو فرضنا أن له به كمالا على ما قيل، لم يكن له في ذلك نقص؛ لأن الكل منه وعنه، وكماله بما منه وعنه، فهو كماله بذاته في الحقيقة.

والقول بأنه لولا أشياء غيره لم يكن بحال كذا من الكمال، إنما كان يكون له وجه، لو كانت تلك الأمور ليست منه وعنه، فأما وهي منه فلا يضر؛ لأنه كأنه قال: لولاه -أعني لولا ذاته- لم يكن بحال كذا؛ لأن [ ص: 434 ] الرفع في الفرض إنما يقع من جهة العلة الأولى، التي لا يرتفع المعلول إلا بارتفاعها.

قلت: فهذا من كلام أبي البركات على قول أرسطو، وهو أقرب إلى تحرير النقل وجودة البحث في هذا الباب من ابن رشد، وابن رشد أقرب إلى جودة القول في ذلك من ابن سينا، مع غلوه في تعظيم أرسطو وشيعته.

التالي السابق


الخدمات العلمية