الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا أرادت المرأة أن تبتدئ بالحج ، فإن كان فرضا جاز أن تخرج مع ذي محرم ، أو مع نساء ثقات ولو كانت امرأة واحدة ، إذا كان الطريق آمنا ، ولا يجوز أن تخرج بلا محرم ولا امرأة تثق بها وإن كان حجها واجبا ، ومن أصحابنا من قال : إذا كان الطريق آمنا لا تخاف خلوة الرجال معها ، جاز أن تخرج بغير محرم ، وبغير امرأة ثقة ، وهو خلاف نص الشافعي - رضي الله عنه - .

                                                                                                                                            فأما إن كان الحج تطوعا ، لم يجز أن تخرج إلا مع ذي محرم ، وكذلك في السفر المباح ، كسفر الزيارة والتجارة ، لا يجوز أن تخرج في شيء منها إلا مع ذي محرم ، ومن أصحابنا من قال : يجوز أن تخرج مع نساء ثقات ، كسفر الحج الواجب ، وهو خلاف نص الشافعي ، وقال مالك : يجوز أن تخرج في الفرض مع نساء ثقات ، لكن لا يجوز أن تخرج مع امرأة واحدة ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن تخرج في الفرض والتطوع إلا مع ذي محرم ؛ استدلالا برواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام إلا ومعها أخوها أو أبوها أو زوجها أو محرم ، وبرواية أبي [ ص: 364 ] سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع محرم ، وبرواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تحجن امرأة إلا مع ذي محرم : ولأنه سفر تقصر في مثله الصلاة ، فلم يجز لها قطعه بغير محرم كالأسفار المباحة ، ولأن حج التطوع قد يلزم بالدخول فيه كالفرض ، فلما لم يجز لها الخروج في التطوع إلا مع ذي محرم ، وإن صار بالدخول فرضا ، فكذلك إذا كان ابتداؤه فرضا ، ودليلنا على جواز خروجها بغير محرم ، رواية أبي عبيدة عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لتوشك الظعينة تخرج من الحيرة بغير خفار حتى تطوف بالكعبة ، ويوشك أن تفتح كنوز كسرى بن هرمز ، ويوشك الرجل يسعى يبتغي أن يؤخذ ماله صدقة فلا تقبل منه ، فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالكعبة بغير خفار ، وكنت في الخيل التي أغارت على المدائن حتى فتحوا كنوز كسرى ، والله لتكونن الثالثة ، فموضع الدليل من هذا أنه أخبر أن من استقامة الزمان أن تخرج المرأة إلى الحج بغير خفار ، ولو كان ذلك غير جائز لكان الزمان بفعله غير مستقيم ، فروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : أحجوا هذه الذرية ، ولا تأكلوا أرزاقها وتدعوا أوباقها في أعناقها ، فأمر بالإذن للنساء في الحج وأن لا يمنعن منه ، ولم يشترط في إخراجهن ذا محرم : ولأنه سفر واجب ، فوجب أن لا يكون المحرم شرطا في قطعه : ولأن كل عبادة لم يكن المحرم شرطا في وجوبها لم يكن شرطا في أدائها كسائر العبادات ، واستدلال الشافعي وهو أنه إذا ادعي عند الحاكم على امرأة غائبة دعوى ، فإن الحاكم يبعث إليها ليحضرها ، فإن لم يكن لها محرم إذا كانت ممن تبرز ، فإذا وجب عليها الخروج بلا محرم في حق لا يتحقق وجوبه عليها ، إذ قد يجوز أن يكون مبطلا في الدعوى عليها ، فلأن يجب في حق يتحقق وجوبه عليها أولى ، فأما الجواب عن حديث أبي سعيد وأبي هريرة فمحمول بدلالتنا على السفر المباح دون الواجب ، وأما حديث ابن عباس فمحمول وإن صح على حج التطوع .

                                                                                                                                            وأما قياسهم على التطوع فمنتقض بالهجرة كما أن التطوع قد يلزم بالدخول فيه كالهجرة ثم كان أضعف حالا من الهجرة ، ثم المعنى فيه لو صح أنه غير واجب ، وأما قوله : إن التطوع قد يلزم بالدخول كالفرض إن كان لازما بالدخول كالفرض فهو أضعف حالا من الفرض ، فيكون فرقا بين الفرض والتطوع ، كفرقهم بين الهجرة والتطوع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية